للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحرم، تمييزًا له عن "صفر" الثاني، الذي لم يكن من الأشهر الحرم. ثم غلب المحرم عليه، وماتت لفظة صفر منه. قال "السخاوي": "إن المحرم سمي بذلك لكونه شهرًا محرمًا، وعندي أنه سمي بذلك تأكيدًا لتحريمه؛ لأن العرب كانت تتقلب به فتحله عامًا وتحرمه عامًا"١.

وذكر أن المحرم لم يكن معروفًا في الجاهلية، "وإنما كان يقال له ولصفر: الصفرين، وكان أول الصفرين من أشهر الحرم، فكانت العربُ تارة تحرّمه، وتارة تقاتل فيه، وتحرم صفر الثاني مكانه"، "فلما جاء الإسلام، وأبطل ما كانوا يفعلونه من النسيء، سماه النبي، صلى الله عليه وسلم، شهر الله المحرم"٢.

ويتبين من دراسة أسماء هذه الشهور أن منها ما هو تكرار للاسم الواحد، وهي ربيع الأول وربيع الثاني وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، ومجموعها أربعة أشهر، فهي ثلث السنة إذن. وتقع في النصف الأول من السنة وعلى التوالي، تليها أشهر مفردة، ثم شهران يبتدئ اسماها المركبان بكلمة "ذو"، وهما: ذو القعدة وذو الحجة، وهما آخر شهور السنة. وإذا صحت رواية من قال: إن الاسم القديم للمحرم هو صفر الأول، كانت الأشهر المكونة للنصف الأول من السنة أشهرًا مزدوجة تتألف من ثلاثة أزواج، هي: صَفَران ورَبيعان وجماديان٣.

وإذا درسنا أسماء هذه الشهور الجاهلية التي ذكرها أهل الأخبار، وجدنا أنها لا تشبه أسماء الشهور البابلية ولا الشهور السريانية والعبرانية. وهي لا تشبه كذلك أسماء الشهور الواردة في المسند. فليس في الذي بين أيدينا من أسماء للشهور العربية الجنوبية على اختلافها ما يشبه هذه الشهور.

وقد انتبه علماء العربية إلى أن أسماء بعض الأشهر التي استعملت في الإسلام، مثل رمضان، لا تنطبق مع المعاني التي يفهم منها، فرمضان من الرمض، وهو الحر الشديد، مما يدل على أنه من أشهر الصيف، بينما هو شهر متنقل، يأتي في كل المواسم، فلجأوا إلى تعليل مصطنع، على عادتهم عند وقوفهم على اسم لا يعرفون عن أصله شيئًا، قالوا: "يقال: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة.


١ تفسير ابن كثير "٢/ ٣٥٤".
٢ المزهر "١/ ٣٠٠".
٣ Reste, S. ٩٥, Shorter, P. ٤٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>