أو تلكأ أحد الطرفين في التنفيذ انحل الحلف. وتعد هذه الناحية من النواحي الضعيفة في التأريخ العربي، فإن تفكير القبائل لم يكن يتجاوز عند عقدهم هذه الأحلاف مصالح العشائر أو القبائل الخاصة؛ لذلك نجدها تتألف للمسائل المحلية التي تخص القبائل، ولم تكن موجهة للدفاع عن جزيرة العرب ولمقاومة أعداء العرب. ولا يمكن أن نطلب من نظام يقوم على العصبية القبلية أن يفعل غير ذلك, فإن وطن القبيلة ضيق بضيق الأرض التي تنزل فيها، فإذا ارتحلت عنها ونزلت في أرض جديدة، كانت الأرض الجديدة الموطن الجديد الذي تبالغ القبيلة في الدفاع عنه. ولما كانت هذه النزعة الفردية هي هدف سياسة سادة القبائل، أصبحت من أهم العوائق في تكوين الحكومات المدنية الكبيرة في جزيرة العرب، ومن أبرز مظاهر الحياة السياسية قبل الإسلام.
خذ اختلاف النسابين في نسب بعض القبائل وتشككهم فيه، فإنه في الواقع دليل قوي يؤيد هذا الرأي، فقد اختلف في نسب "أنمار" مثلا؛ فمنهم من عدها من ولد "نزار"، ومنهم من أضافها إلى اليمن, والذين يضيفونها إلى "نزار" يقولون: إن أنمارًا من نزار، وأنمار هو شقيق ربيعة ومضر وإياد، فهو أحد أبناء نزار, دخل نسله في اليمن، فأضيفوا إليه، ومن هنا حدث هذا الاختلاف. أما اليمانية، فإنهم يرون أن أنمارًا هو منهم، وقد كان أحد ولد "سبأ" العشرة. فهو عندهم شقيق لخم وجذام وعاملة وغسان وحمير والأزد ومذحج وكنانة والأشعرين, ويرون أن بجيلة وخثعمًا من أنمار, ويستدلون على ذلك بحديث ينسبونه إلى الرسول.
وأما الذين يرجعون نسبه إلى "نزار" فيستدلون على نسبه هذا بحديث ينسبونه إلى الرسول أيضا. وفي الجملة لا يهمنا هنا موضوع نسب "أنمار" أكان في اليمن أم كان في نزار، وإنما الذي يهمنا أن الأحلاف تؤثر تأثيرًا كبيرًا في نشوء النسب، فلولا دخول أنمار في اليمن ونزولها بين قبائل يمانية، لما دخل نسبها في اليمن. ولولا دخول أنمار في قبائل عدنانية وتحالفها معها لما عدها النسابون من نزار، ولما عدوا أنمارًا ابنًا من أبناء نزار الأربعة. فاختلاط "أنمار" في اليمن وفي نزار وترددها بين الجماعتين هو الذي أوقع النسابين في مشكلة نسبها.
وطالما دفعت الحروب القبائل المغلوبة على الخضوع لسيادة القبائل الغالبة وقد تتحالف معها وتدخل في جورها، وإذا دام ذلك طويلًا، فقد يتحول الحلف والجوار إلى