نسب. ثم إن تقاتل القبائل بعضها مع بعض يؤدي أحيانًا إلى ارتحال بعض هذه القبائل المتقاتلة إلى مواطن جديدة فتنزل بين قبائل أخرى، وتعقد معها حلفًا وتجاورها ومتى طال ذلك صار نسبًا، كالذي ذكره أهل الأنساب من نزوح قبائل عدنانية إلى اليمن بسبب تقاتلها بعضها مع بعض، مما أدى إلى دخول نسبها في اليمن، وكالذي ذكروه أيضا من نزوح قبائل يمانية نحو الشمال واختلاطها بقبائل عدنانية مما أدى إلى دخول نسبها في نسب تلك القبائل.
وتجد في كتب الأنساب والأخبار أمثلة كثيرة على اختلاط أنساب قبائل معروفة في عدنان وفي قحطان، كما رأيت فعل السياسة في تكييف النسب في صدر الإسلام وفي عهد الدولة الأموية وتنظيمه، كما رأيت كيف أن بعض النسابين ينسبون قبيلة إلى أب قحطاني على حين ينسبها بعض آخر إلى أب عدناني، وكيف أن نسابي القبيلة كانوا يرون رأيا آخر. وقد رأيت كيف أن بعضهم أرجع نسب ثقيف إلى "ثمود" بغضًا للحجاج الذي كان من ثقيف، ورأيت أيضا اختلاف النسابين فيما بينهم في رسم شجرات الأنساب.
لقد وقع هذا الاختلاف لعوامل عديدة: سياسية وجغرافية وعاطفية، لا يدخل البحث فيها في هذا المكان.
هذا وقد أرجع "ابن حزم" جميع قبائل العرب إلى أب واحد، سوى ثلاث قبائل، هي: تنوخ، والعتق، وغسان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون. وقد نص غيره من أهل النسب على أن تنوخًا اسم لعشر قبائل، اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسموا تنوخًا. وذكر بعض آخر أن غسان عدة بطون من الأزد، نزلت على ماء يسمى غسان، فسميت به. فترى من هنا أن تنوخًا والأزد حلف في الأصل، وقد صار مع ذلك نسبًا عند كثير من أهل الأخبار.
وبين أجداد القبائل والأسر الذين يذكرهم أهل الأنساب، أجداد كانوا أجدادًا حقًّا، عاشوا وماتوا., وقد برزوا بغزواتهم وبقوة شخصياتهم، وكونوا لقبائلهم وللقبائل المتحالفة معها أو التابعة لها مكانة بارزة، جعلتها تفتخر بانتسابها إليهم، حتى خلد ذلك الفخر على هيئة نسب, ونجد في كتب الأنساب أمثلة عديدة لهؤلاء.