للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها، وتمتار فيها، وتصفي فيها حسابها بدفع أثمان الديات بهدوء وبتسوية المشكلات بالمساومة والمفاوضة، وتلك الفترة هي الأشهر الحرم.

هذا ما يذكره ويرويه العلماء عن الشهور بصورة عامة. ويجب حمل كلاهم هذا على قريش ومن والاها، وعلى القبائل التي كان للعلماء اتصال بها وعلم بأخبارها أما القبائل البعيدة عنهم، والقبائل التي لم يتصلوا بها اتصالًا وثيقًا، فنحن لا نستطيع أن ندخلهم في هذا الكلام فنقول أنهم كانوا يحرمون أشهرًا ويحرمون أخرى، لعدم وجود دليل لدينا يثبت ذلك، وسنبقى على رأينا هذا حتى يظهر لنا دليل يؤيده أو ينفيه.

والمذكورون قوم يحرمون إذن شهورًا ويحلون أخرى، لا يقاتلون ولا يغزون في شهور، حرمة وتقديسًا لها، إلا عن ضرورة ولجاجة، ويقاتلون ويغرون في الأشهر الأخرى المتبقية من السنة، فيقصرون نشاطهم في الغزو وفي الأخذ بالثأر على أشهر الحل فقط.

قال "الطبري" في تفسيره الآية: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} ١: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم، وهي الأربعة التي عددت لك، يعني عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيعًا الأول، وعشرًا من شهر ربيع الآخر. وقال: قائلو هذه المقالة: قيل لهذه الأشهر: الحرم؛ لأن الله عز وجل حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والعرض لهم إلى بسبيل خير"٢. وقال "النيسابوري" في تفسيرها: "واختلفوا في الأشهر الأربعة، فعن الزهري أن براءة نزلت في شوال، والمراد: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وقيل: هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر. وكانت حرمًا لأنهم أومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم، أو سميت حرمًا على التغليب لأن ذا الحجة والمحرم منها. وقيل: ابتداء المدة من عشر ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسيء الذي كان.


١ التوبة، الرقم٩، الآية٥.
٢ تفسير الطبري"١٠/ ٥٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>