للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي لعوامل اقتصادية ومنافع مادية، جاز قبول هذا التعليل، ولكن لِمَ لم يفعلوا هذا الفعل بالنسبة لرجب، الذي تحتاج العمرة فيه إلى مدة أطول من الشهر للوصول في خلالها من أقصى مكان في جزيرة العرب إلى مكة، وللعودة منها إلى مواطنهم، إذ لا يعقل أبدًا بلوغ مكة والعودة إليها سالمين إلى مواطنهم في العربية الجنوبية أو الخليج أو العراق في خلال في شهر واحد. بل هو في نظري زعم من مزاعم أهل الأخبار. وما كان الحج إلى مكة إلا من القبائل القريبة منها، وإنما صار الحج إليها عامًا ومن كل مكان في الإسلام وبفضله وحده. وعندي أن شهر رجب، كان شهرًا مقدسًا محرمًا، تعتر فيه العتائر، عند قبائل مضر وقبائل ربيعة، وهما حلفان في الأصل، وقد تناول قبائل متجاورة، ثم انفصل فصار ربيعة ومضر. وفي هذا الشهر كانوا يتقربون إلى "الله" بالعتائر، ومنهم من يعتمر، فيبقى بمكة ما يشاء، ولم تكن العمرة على شاكلة الحج من حيث العدد والكثرة، بل كانت قاصرة على المتمكنين الذين لهم عهود ومواثيق مع أهل مكة وغيرها من سادات قبائل مضر وربيعة، فلا خوف على أمثال هؤلاء من الرجوع إلى وطنهم في أي وقت شاءوا، إذ لا يطمع فيهم طامع بسبب ما كانوا يحملونه من تجارة، كالذي كان يفعله التجار الذين يذهبون إلى الاتجار بالأسواق وفي جملتها سوق مكة في موسم الحج الذي هو تجارة وحج، لأنهم كانوا من عامة القبائل ومعهم تجارة، فكان من الضروري تطويل الموسم ليكون أمنًا لهم يحميهم من الأذى إلى عودتهم إلى مواطنهم.

وفي هذه الأشهر الحرم تعقد الأسواق مثل سوق عكاظ وذي المجاز وذي المجنة ودومة الجندل وغيرها، فيقصدها الناس من مواضع بعيدة، وتكتظ أرضها بجموع غفيرة لم تكن تقصدها في غير هذه "المواسم".

وقد عرف شهر "ذو القعدة" بهذا الاسم، لأن الناس –كما يقول علماء اللغة- كانوا يقعدون فيه عن الأسفار والغزو والميرة وطلب الكلأ ويحجون في ذي الحجة١. وهو تفسير أخذ من ظاهر التسمية، ودليل ذلك قولهم: "لقعودهم فيه عن القتال والترحال"٢. فالقعود فيه عن القتال جائز بالنسبة للمحرمين،


١ تاج العروس "٢/ ٤٦٩"، "قعد"، تفسير ابن كثير "٢/ ٣٥٤".
٢ تفسير ابن كثير "٢/ ٣٥٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>