للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن قعودهم عن الترحال خطأ، إذ كانوا على العكس يتهيأون فيه للأسفار إلى الاتجار والحج، فهو شهر ترحال لا شهر قعود وجلوس.

وأما "ذو الحجة"، فقد عرف بذلك لإيقاعهم الحج فيه. وقد رأينا أن في نصوص المسند اسم شهر عرف بـ "ذ حجتن"، أي: "ذي الحجة"، وبـ"ذ محجتن"، أي: "ذي المحجة"، مما يدل على أن له صلة بالحج١.

ولم تعين نصوص المسند موسم حج العرب الجنوبيين، ولم تذكر اسم محجتهم، ولكننا نستطيع أن نقول أنها كانت إلى محجات آلهتهم المعروفة المنصوص عليها في نصوصهم، وهي غير آلهة أهل مكة من غير شك.

وقد ذكر بعض علماء اللغة أن العرب كانت تسمي شهر رجب "رجب الأصم" و"المحرم"، وذكر بعض آخر أن المحرم لم يكن يعرف بهذا الاسم إلا في الإسلام، فقد كان الجاهليون يسمونه صفرًا. ولذلك كان في تقويمهم صفران، كما كان عندهم شهران باسم ربيع الأول وربيع الآخر، وشهران باسم جمادى الأولى وجمادى الآخرة. وصفر الأول هو المحرم في عرفنا، وصفر الآخر هو صفر في اصطلاحنا اليوم. وقد كان الجاهليون يؤخرون المحرم إلى صفر في تحريمه، فيكون شهرًا حرامًا٢.

ويظهر أن لدخول "ال" أداة التعريف على "المحرم" أهمية في تثبيت هذا الشهر فإن للفظة "محرم" دلالة دينية، يراد بها كل شهر من الأشهر الحرم.

فكل شهر من هذه الشهور الحرم هي محرم وحرام، ومن ضمنها "المحرم".

وقد دخلت "ال" على هذه اللفظة لتخصيصها وجعلها علمية خاصة بهذا الشهر.

وإلا دخلت على الشهور الأخرى العلمية، مثل رجب وشعبان ورمضان وصفر، فلا يقال فيها: الرجب والشعبان والرمضان والصفر، بل يقال: قدم شهر رجب.

وقدم شعبان وشهر رمضان وصفر. وهذا يفسر قول ""ابن كثير": "وعندي


١ Rep. Epig. ٤١٧٦/٧
٢ تاج العروس "٣/ ٢٣٦"، "٨/ ٢٤٠ وما بعدها"، "حرم"، قال حميد بن ثور:
رعين المرار الجون من كل مذنب ... شهور جمادى كلها والمحرما
وقال آخر:
أقمنا بها شهري ربيع كلاهما ... وشهري جمادى واستحلوا المحرما
تاج العروس "٨/ ٢٤١" "حرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>