للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ١، وإجماع علماء التفسير والأخبار على أنه شهر "رجب"، وأن الآية نزلت في أمر قتل "ابن الحضرمي" في آخر يوم من جمادى الآخرة، وأول ليلة أو يوم من رجب. وقد كان المسلمون يهابونه ويعظمونه، وكان النبي يحرم القتال في الشهر الحرام، حتى نزلت الآية في حق القتال فيه وفي بقية الشهور. وقد ذهب المفسرون أيضًا إلى أن "الشهر الحرام"، هو كل شهر حرام من هذه الأشهر الأربعة، وأن الآية لا يراد بها التخصيص، وإن ما ذكر من أنه شهر رجب، فلأجل وقوع الحادث المذكور فيه٢.

وعرف "رجب" بـ"متصل الألّ" والألة والألال في الجاهلية. أي: مخرج الأسنة من أماكنها. كانوا إذا دخل رجب نزعوا أسنة الرماح ونصال السهام إبطالًا للقتال فيه، وقطعًا لأسباب الفتن بحرمته، فلما كان سببًا لذلك سمي به، إعظامًا له، فلا يغزون ولا يغير بعضهم على بعض٣. وعرف أيضًا بـ"منزع الأسنة" للسبب المذكور.

ومن دلائل حرمة شهر "رجب" ومكانته العظيمة عند أهل الجاهلية، تقديمه العتائر فيه والأضاحي التي عرفت عندهم بـ"الرجبية"، ووقوع أكثر المناسبات الدينية فيه. وقد نعت هذا الشهر بـ"الأصم"، فقيل له: "رجب الأصم"، لعدم سماع استغاثة أو قعقعة سلاح فيه٤، لأن العرب كانت لا تقرع فيه الأسنة، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فيه، فلا يهيجه، تعظيمًا له٥. وعرف بـ"رجب الفرد" وبـ "الفرد"، لانفراده وحده من بين الأشهر الحرم الأخرى٦.

ويرى "ولهوزن"، استنادًا إلى بعض الموارد اليونانية وغيرها أن العرب كانوا يحرمون شهرًا واحدًا منفردًا، هو "رجب الفرد"، وهو من شهور الربيع، وشهرين آخرين متصلين يقعان في القيظ، أي: في أوج الصيف. أما الشهر الثالث


١ البقرة، الرقم٢، الآية ٢١٧.
٢ تفسير الطبري "٢/ ٢٠١ وما بعدها".
٣ تاج العروس "٨/ ١٣٧"، "نصل".
٤ تاج العروس "٣/ ٣٨٠"، "عتر"، اللسان "٤/ ٥٣٧"، المعاني الكبير "٢/ ١١٣".
٥ تفسير الطبري "٢/ ٢٠١".
٦ تاج العروس "٨/ ٢٤١"، "حرم"، الأزمنة والأمكنة، للمرزوقي "١/ ٨٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>