للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ألحق بالشهرين، فصات به ثلاثة أشهر حرم متسلسلة متداخلة، فقد حرم في عهد متأخر لا يبعد كثيرًا عن الإسلام، وهو المحرم١.

ويلاحظ أن الموارد الإسلامية قد وضعت بعض الأحداث المهمة في شهر محرم مثل صوم يوم عاشوراء، ومثل اختيار القدس قبلة للمسلمين، فقد ذكروا أن ذلك كان في اليوم السادس عشر من المحرم، ومثل ذكرهم أن وصول حملة الفيل إلى مكة كان في اليوم السابع عشر منه، وأن ابتداء السنة الهجرية، كان في أول المحرم٢، مع أننا لو دققنا ذلك تدقيقًا عميقًا، وجدنا أن أكثر هذا المروي لم يثبت وقوعه في هذا الشهر.

ونجد في كتب الحديث والأخبار ما يفيد بأن الجاهليين كانوا يعظمون شهري شعبان ورمضان تعظيمًا يكاد يضاهي تعظيمهم للأشهر الحرم. وسبب ذلك في نظري، هو بفعل النسيء في الشهرين، وتلاعبهم بالأشهر وتسميتهم لها تسميات كيفية، ووقوع ذلك التلاعب على الشهرين المذكورين دون بقية الشهور. وقد يكون بسبب أن العرب كانوا يقدسون الشهرين ويحرمونهما أيضًا، وأن قريشًا كانت تحترمهما أيضًا، ومن هنا فضل شعبان ورمضان على بقية الأشهر الثانية مع أنهما من الأشهر الاعتيادية على حسب رواية أهل الأخبار. ولم يدخلوهما في جملة الأشهر الحرم. ونجد للشهرين حرمة كبيرة في الإسلام.

وقد كان عرب العراق وبادية الشام يتجنبون أيضًا مثل عرب الحجاز القتال في أشهر معينة، لأنها أشهر مقدسة حرم عندهم، كما يفهم ذلك من مؤلفات الروم والسريان. فقد أشار المؤرخ "أفيفانوس" Epiphanius إلى وجود شهر عند العرب، قال: إن العرب تحتفل فيه، وهو عندهم شهر مقدس، ويقع في شهر تشرين الثاني، ويريد به شهر "ذي الحجة" على ما يظن. وقد دعي بـ"حجت" في بعض الموارد اليهودية٣. كما ذكر "بروكوبيوس" Procopius أن عرب المناذرة لم يكونوا ليحاربوا في شهورهم المقدسة، وقال: إنهم كانوا قد جعلوا شهرين في السنة حرمًا لآلهتهم لا يغزون فيها ولا يقاتلون


١ Reste, S. ١٠٠.
٢ Shorter, p. ٤١٠.
٣ Aboda Zara, II, b., Epiphanius, Haer, ٥١, ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>