للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يجعلوا صفر المحرم، فيحلوا ما حرم الله. وكانت هوازن، وغطفان، وبنو سليم، يعظمونه، وهم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية١. وهكذا كانوا يجعلون سنة المحرم صفرًا، فيغزون فيه، فيغنمون فيه ويصيبون ويحرمونه سنة٢. وذكر أنهم كانوا يسكتون عن المحر ولا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفرًا٣.

وقد تحدث "الطبرسي" عن النسيء فقال: "قال مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة، ثم حج النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، في العام القابل حجة الوداع، فوافقت في ذي الحجة، فذلك حين قال النبي، صلى الله عليه وسم، وذكر في خطبته: "ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرًا. منها أربعة حرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" أراد عليه السلام الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء"٤.

وهذا الفعل الذي هو النسيء، هو الذي جعل العلماء يقولون: إن الصفر النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخيرهم المحرم إلى صفر في تحريمه ويجعلون صفرًا هو الشهر الحرام٥. فهم يدخلون شهرًا جديدًا على السنة بعد ذي الحجة، يكون مقامه بين هذا الشهر وبين شهر صفر الأول، الذي هو المحرم من الأشهر الحرم. وبذلك يكونون قد فصلوا بين الأشهر الحرم الثلاثة، بأن جعلوا شهرًا حلالًا جديدًا بين الشهرين المحرمين: ذو القعدة وذو الحجة، وبين الشهر الثالث المتصل بهما، وهو المحرم، ففصل عن الشهرين، وصار وحيدًا. فعلوا ذلك ليحافظوا على وقت الحج، بجعله ثابتًا، ولما كان ذلك معناه


١ تفسير الطبري "١٠/ ٩٢ وما بعدها".
٢ تفسير الطبري "١٠/ ٩٢".
٣ تفسير ابن كثير "٢/ ٣٥٧".
٤ تفسير الطبرسي "٥/ ٢٩".
٥ تاج العروس "٣/ ٣٣٦"، "صفر".

<<  <  ج: ص:  >  >>