للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروعة في تجويز القتال في بعض الأشهر الحرم، وذلك كأن تكون قبيلة قوية تريد القتال في شهر محرم، لاستعدادها له فيه فتعمد إلى هذا الحل، والتحايل على العرف بالتوسل إلى"القلمس" لتغيير الشهور، فيصير الشهر الحرام حلالًا، وبذلك يتاح لها القتال فيه.

وإني أرى في هذا التفسير تكلفًا ظاهرًا، وهو يعارض مع ما ذكر من الغاية من النسيء. وإذا جاز إحداثه في سنة ما للغايات المذكورة، فلا يعقل إحداثه في كل سنة بانتظام. وإلا لم يبق له معنى ما ولا فائدة ترجى عندئذ منه.

وقد جاء معنى النسيء في الآية: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} ١. فقال بعض علماء التفسير: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرًا، فيجعلون المحرم صفرًا، فيستحلون فيه الحرمات، فأنزل الله {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} ٢. "وكان المشركون يسمون الأشهر: ذو الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة، يحجون فيه مرة ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر. ثم يسمون رجب جمادى الآخر، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون رمضان شوالًا، ثم يسمون ذا القعدة شوالًا، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه، واسمه عندهم ذو الحجة.

ثم عادوا بمثل هذه القصة، فكانوا يحجون في كل شهر عامين، حتى وافق حجة أبي بكر، رضي الله عنه، الآخر من العامين في ذي العقدة، ثم حج النبي، صلى الله عليه وسلم، حجته التي حج، فوافق ذا الحجة، ذلك حين يقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في خطبته "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" ٣. فالنسيء هو المحرم، وكان يحرم المحرم عامًا، ويحرم صفر عامًا، وزيد صفرًا في آخر الأشهر الحرم، وكانوا يؤخرون الشهور


١ التوبة، الآية٣٧.
٢ تفسير الطبري "١٠/ ٩٣".
٣ تفسير الطبري "١٠/ ٩٢ وما بعدها"، تفسير النسفي "٢/ ١٢٥ وما بعدها".
تفسير ابن كثير "٢/ ٣٥٣ وما بعدها"، تفسير القرطبي "٨/ ١٣٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>