للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين"١، كما ورد: "شهران لا ينقصان شهرًا عيد رمضان وذو الحجة"٢. فإذا أخذنا بذلك، كان الفرق بين أيام السنة القمرية وأيام السنة الشمسية، هو ما يجب إضافته على السنة القمرية لتكون سنة شمسية، ذات أشهر ثابتة.

وإذا صحت رواية بعض الأخباريين عن إضافة الجاهليين أحد عشر يومًا، إلى السنة القمرية، ليضمنوا بذلك ثبات الأشهر، وعدم تغير أوقاتها. فإن ذلك يكون كبسًا صحيحًا بالمعنى المفهوم من الكبس، مؤديًا للغاية المتوخاة منه. وعندئذ تكون سنة أولئك الجاهليين المستعملين للكبس سنة قمرية شمسية. وأنا لا أستبعد شيوعها عند أهل المدينة، بسبب اختلاطهم باليهود، ولا أستبعد كذلك اتفاقهم مع يهود يثرب في استعمال السنة المستعملة عند اليهود نفسها، وابتدائهم بالشهر الذي كان يبدأ به أولئك اليهود.

ويؤيد هذه الرواية ما ذكره أهل الأخبار كلهم من أن الغاية التي حملت العاملين بالنسيء على استعمالهم له "أنهم كانوا يحبون أن يكون يوم صَدرَهم عن الحج في وقت واحد من السنة، فكانوا ينسئونه. والنسيء التأخير، فيؤخرونه في كل سنة أحد عشر يومًا، فإذا وقع في عدة أيام من ذي الحجة، جعلوه في العام المقبل لزيادة أحد عشر يومًا من ذي الحجة، ثم على تلك الأيام يفعلونه كذلك في أيام السنة كلها. وكانوا يحرمون الشهرين اللذين يقع فيهما الحج، والشهر الذي بعدهما، ليواطئوا في النسيء بذلك عدة ما حرم الله وكانوا يحرمون رجبًا كيف وقع الأمر. فيكون في السنة أربعة أشهر حرم"٣.

أما التفسير الأول للنسيء، وهو تفسيره بمعنى تحليل شهر محرم، وتحريم شهر حلال، وتأخير شهر وتقديم شهر، فإنه لا يحقق ما ذكر من رغبة الناس يومئذ في حجهم في وقت ثابت لا يتغير ولا يتبدل، لأن الحج يتغير فيه، فيكون أحيانًا في الصيف، وأحيانًا في الشتاء، وأحيانًا في الربيع، وأحيانًا في الخريف.

وهذا لا يتفق مع زعم أهل الأخبار في السبب الذي دعا إلى الأخذ بالنسيء.

والنسيء بهذا التفسير، لا يفيد إلا من ناحية التحايل والتلاعب في إيجاد حيل


١ إرشاد الساري "٣/ ٣٥٩".
٢ المصدر نفسه.
٣ تاج العروس "١/ ١٢٥"، "نسأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>