للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دخلت إلى العربية بتأثير يهود يثرب. والناسئ عن اليهود هو الرئيس الديني.

وكان يقوم عندهم بتقديم وتأخير الشهور، ويعين مواعيد الأعياد والصيام، ويذيع النتيجة بواسطة وفود إلى الطوائف اليهودية المختلفة١. والناسئ يقابل رئيس قبيلة عند بني إسرائيل٢، وهذا التعريف ينطبق تمامًا مع ما ذكره أهل الأخبار عن "الناسئ" عند الجاهليين.

وقد بحث عدد المستشرقين في حساب السنين عند الجاهليين وفي النسيء، فجاءوا بآراء متباعدة غير متفقة، لكل واحد منهم رأي ومذهب في طريقة العرب قبل الإسلام في حساب الشهور وفي السنين القمرية والشمسية والكبس والنسيء.

وقد ناقشها ولخصها "نالينو" في كتابه: "علم الفلك تأريخه عند العرب في القرون الوسطى". وهو ممن يرون أن البحث في هذا الموضوع صعب عسير، وأن البت فيه غير ممكن في الزمن الحاضر، لقلة الموارد وعدم وجود أخبار وروايات واضحة صريحة يمكن أن يستند إليها في إبداء رأي علمي ناضج في الموضوع٣.

والذي أراه أن أهل الحجاز كانوا يتبعون التقويم الشمسي مع مراعاة الإهلال، أي: تقويمًا شمسيًّا قمريًّا، بدليل أن لأسماء الأشهر علاقة بالجو من برد وحر، وربيع وخريف. فقد ذكر علماء اللغة أن الربيع أنا سمي ربيعًا، لارتباعهم فيه والارتباع الإقامة في عمارة الربع، وأن "جمادى" سمي بذلك لجمود الماء فيه، أي: أنهما من أشهر الشتاء. قال الشاعر:

وليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر العبد في ظلمائها الطنبا

لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلف على خرطومه الذنبا٤

وأن رمضان من شدة الرمضاء، وهو الحر. ولا يعقل أن تكون هذه التسميات قد جاءت عفوًا ومن غير ارتباط بحالة من حالات الطبيعة. وقد انتبه المتقدمون


١ ولفنسون: تأريخ اليهود في بلاد العرب "ص٨١".
٢ الخروج، الإصحاح ٣٤، الآية٣١، العدد، الإصحاح٧، الآية٣٢، تأريخ اليهود في بلاد العرب "ص٨١".
٣ "ص٩٤ وما بعدها".
٤ تفسير ابن كثير "٢/ ٣٥٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>