للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجدر أن يراها من مرّ بها، ولا تنسى على وجه الدهر"١.

ثم قال: "وكانت العرب في جاهليتها تحتال في تخليدها، بأن تعتمد ذلك على الشعر الموزون، والكلام المقفى، وكان ذلك هو ديوانها ثم إن العرب أحبت أن تشارك العجم في البناء، وتنفرد بالشعر، فبنوا غمدان، وكعبة نجران وقصر مارد، وقصر مأرب، وقصر شعوب، والأبلق الفرد، وفيه وفي مارد، قالوا: تمرد مارد وعز الأبلق، وغير ذلك من البنيان"٢. ثم تعرض لأهمية الكتب ولشأنها في تخليد الذكرى، فقال: "والكتب بذلك أولى من بنيان الحجارة وحيطان المدر، لأن من شأن الملوك أن يطمسوا على آثار من قبلهم، وأن يميتوا ذكر أعدائهم، فقد هدموا بذلك السبب أكثر المدن وأكثر الحصون، كذلك كانوا أيام العجم وأيام الجاهلية، وعلى ذلك هم في أيام الإسلام، كما هدم عثمان صومعة غمدان، وكما هدم الآطام التي كانت بالمدينة، وكما هدم زياد كل قصر ومصنع كان لابن عامر، وكما هدم أصحابنا بناء مدن الشامات لبني مروان"٣.

وتتناسب أساليب التأريخ مع درجة عقلية المؤرخ ومستواه العقلي، لذلك نجد التواريخ بالأمور العادية البسيطة بين الرعاة والأعراب والسوقة من الناس، بينما نجد غيرهم ممن هم فوقهم درجة في العقل والثقافة يؤرخون بمناسبات لها شأن وأهمية، مثل التقاويم العامة المهمة، المثبتة بمبدأ، حيث يؤرخ بموجبها.

وقد تبين لنا من دراسات نصوص المسند، أن أصحابها استعملوا جملة طرق في تأريخهم للحوادث، وتثبيت زمانها، فأرخوا بحكم الملوك، فكانوا يشيرون إلى الحادث بأنه حدث في أيام الملك فلان، من غير تعيينه بسنين، وذلك كما في هذا المثل: "بيوم اليفع يشر ملك معنم"٤، أي "يوم اليفع يشر ملك معين"، و"بيوم يذمر ملك وترال"٥. ومعناهما في "أيام حكم اليفع يشر ملك معين"، أو "وكان ذلك في حكم اليفع يشر ملك معين" بالنسبة للفقرة الأولى و"في أيام يذمر ملك وترايل"، أو" في حكم يذمر ملك ووتر ايل"،


١ الحيوان "١/ ٦٨ وما بعدها"، المحاسن والأضداد "٣"، "مجلس الكتابة والكتب".
٢ الحيوان "١/ ٧٢".
٣ الحيوان "١/ ٧٣".
٤ REP. EPI. ٢٨٦٩
٥ المصدر نفسه الرقم ٢٧٤٠، Beeston

<<  <  ج: ص:  >  >>