للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حملت الخصائص المشتركة والألفاظ المهمة الضرورية لشئون الحياة التي ترد في كل اللهجات السامية بعض العلماء على تصور وجود لغة أم، في الأيام القديمة، تولدت منها بعوامل مختلفة متعددة مجموعة "اللغات السامية". ويؤدي تخيل وجود هذه الأم إلى تخيل وجود موطن قديم للساميين كان يجمع شملهم، ويوحد بين صفوفهم، إلى أن أدركتهم الفرقة لعوامل عديدة، فاضطروا إلى الهجرة منه إلى مواطن جديدة، وإلى التفرق، فكانت هذه الفرقة إيذانًا بتبليل ألسنة البابلين، وسببًا إلى تفرق ألسنتهم وظهور هذه اللغات.

ولا يعني تصور وجود لغة سامية أم "Ursemitish" على رأي بعض العلماء ضرورة وجود لغة واحدة بالمعنى المفهوم من اللغة الواحدة، كانت أمًّا حقيقية لجميع هذه اللغات البنات. بل الفكرة في نظرهم مجرد تعبير قصد به شيء مجازي هو الإفصاح عن فكرة تقارب تلك اللغات وتشابهها، واشتراكها في أصول كثيرة اشتراكًا يكاد يجمعها في أصل واحد، ويرجعها إلى شجرة واحدة هي الشجرة الأم. فالسامية الأولى أو السامية الأم، أو السامية الأصلية، هي بهذا المعنى تعبير مجازي عن أقدم الأصول المشتركة التي جمعت بين اللهجات السامية القديمة في الأيام القديمة، أيام كان المتكلمون بها يعيشون في أمكنة متجاورة وفي اتصال وتقارب عبر عنه بفكرة النسب المذكور في التوراة١.

وليس من السهل علينا أن نتصور كيف كانت اللغة السامية الأولى. ولكننا لا نستطيع -بسبب قدم زمان هذه اللغة إن كانت هناك لغة سامية أولى وبسبب الأحوال البدائية التي كانت تحيط بالمتكلمين بها شأن البشرية جمعاء في ذلك العهد ولقلة مستلزمات المعيشة يومئذ وانخفاضها- أن نتصور أن هذه اللغة كانت واسعة جدًّا بمفرادتها غنية بمسمياتها، وفي قواعد صرفها ونحوها وفي أساليب بيانها؛ لأن ما نذكره لا يمكن أن يتوفر إلا في مجتمع متطور متقدم، وإلا بعد تطور استمر أمدًا طويلًا، ولم يكن الساميون الأولون في ذلك العهد على درجة كبيرة من التطور والتقدم حتى تكون لغتهم الأولى على نحو ما نذكره من اتساع وارتقاء.

وتسوقنا إشارتنا العابرة هذه إلى السامية الأم إلى الإشارة إلى الوطن السامي الأول الذي عاش فيه الساميون. أيام اجتماعهم وتكتلهم في وطن واحد، وأيام


١ جواد على تأريخ العرب قبل الإسلام "١/ ١٦٦ وما بعدها"، "٧/ ١٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>