تكلمهم بلسان واحد أو بألسنة متقاربة متشابهة، يفهم أحدهم الآخر بيسر وسهولة.
ثم عن الأيام التي نزلت فيها المكاره على أولئك الساميين القدماء فأجبرتهم على ترك ذلك الوطن في دفعات وفي هجرات متعددة والارتحال عنه إلى مواطن أخرى جديدة.
وقد اختلف العلماء في تعيين الموطن الأصلي للساميين، وذهبوا في ذلك مذاهب، يخرجنا الحديث عنها عن صلب موضوعنا هذا. والمفروض في هذا الوطن أن يكون المهد الأول الذي ضم الشعوب السامية، والمكان الذي اتصلت فيه تلك الشعوب بعضها ببعض، الأثر الذي نراه في اللغة وفي الدين وفي النواحي العقلية وما شاكل ذلك.
وبما أن من غير الممكن التعرف على اللغة السامية الأم، لأن الكتابة لم تكن معروفة في ذلك العهد، فكّر المستشرقون في دراسة أقرب اللغات السامية إلى الأصل، فذهب بعضهم إلى أن العبرانية هي أكثر تلك اللغات شبهًا بالسامية الأولى، وهي لذلك أقرب بنات سام إليها. وذهب آخرون إلى تقديم لغة بني إرم على غيرها جاعلين إياها البنت الأولى التي اجتمعت فيها الخصائص السامية الأصلية أكثر من اجتماعها في أية لغة أخرى، ولهذا استحقت في رأيهم هذا التكريم والتقديم.
وذهب آخرون إلى تقديم العربية على سائر اللغات الأخرى، لمحافظتها أكثر من بقية اللغات السامية على الخصائص السامية الأولى وعدم تنصلها منها وتركها لها. كالذي نراه من استعمالها للمقاطع القصيرة الصامتة ومن كثرة تعدد قواعدها التي زالت من قواعد بقية اللغات. غير أن هذه الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها هذه اللغة، يقابلها من جهة أخرى مميزات في العربية لا نجدها في اللهجات السامية الباقية، مما يبعث على الظن أنها طرأت عليها فيما بعد، وأن اللغة العربية قد مرت بأدوار تطورت فيها كثيرًا، والتطور هذا معناه ابتعاد هذه اللغة عن الأصل. ثم إننا نجد في العبرانية وفي لغة بني إرم قطعات من الكلام قديمًا جدًّا لا نجد له مثيلًا في العربية، وهذا مما يدعو إلى حسبان اللغتين المذكورتين أقدم عهدًا من اللغة العربية. غير أننا لا نستطيع مع كل ذلك أن ننكر أن معرفتنا وإحاطتنا باللغة العربية لا تكاد تدانيها معرفتنا وإحاطتنا ببقية اللغات السامية. ومن هنا صارت اللغة العربية بلهجاتها المتعددة حقلًا مهمًّا لإجراء التجارب والاختبارات في ميدان