للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنسب الدين إليه، إذ كان عليه نزل فكذب به الأحزاب"١، وقالوا في تفسير الآية: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} : "يقول تعالى ذكره وهكذا أوحينا إليك يا محمد، قرآنًا عربيًّا بلسان العرب؛ لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره لأنا لا نرسل رسولًا إلا بلسان قومه ليبين لهم، لتنذر أم القرى وهي مكة وما حولها"٢.

وقال "الطبري" في مقدمة تفسيره "فإن كان ذلك كذلك، وكان غير مبين منّا عن نفسه من خاطب غيره مما لا يفهمه عنه المخاطب، كان معلومًا أنه غير جائز أن يخاطب جل ذكره أحدًا من خلقه إلا ما يفهمه المخاطب، ولا يرسل إلى أحد منهم رسولًا برسالة إلا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليه، لأن المخاطب والمرسل إليه إن لم يفهم ما خوطب به وأرسل به إليه فحاله قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده سواء، إذ لم يفده الخطاب والرسالة شيئًا كان به قبل ذلك جاهلًا. والله جل ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابًا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه، لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث والله تعالى عن ذلك متعال. ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} . وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . فغير جائز أن يكون به مهتديًا من كان بما يهدي إليه جاهلًا. فقد تبين إذن بما عليه دللنا من الدلالة أن كل رسول لله جل ثناؤه أرسله إلى قوم، فإنما أرسله بلسان من أرسله إليه، وكل كتاب أنزله على نبي ورسالة أرسلها إلى أمة فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه. واتضح بما قلنا ووصفنا أن كتاب الله الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيًّا، فبين أن القرآن عربي. وبذلك نطق محكم تنزيل، فقال جل ذكره: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا


١ تفسير الطبري "١٣/ ١١٠".
٢ تفسر الطبري "٢٥/ ٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>