للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمييزًا لها عن بقية اللغات واللهجات. والفصح والفصاحة البيان١. وبما أن اللغة العربية بينة بليغة قيل لها ذلك. وهي في معنى {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} ، أي: لسان عربي فصيح أو بين. وبذلك لا ينصرف الذهن إلى لغات العوام ولا إلى لهجات القبائل في الجاهلية أو لغات أهل العربية الجنوبية، لأنها لا تتصف بصفة الفصاحة في نظر علماء اللغة.

واللغة العربية التي نكتب بها، لغة واسعة، ما في سعتها من شك: ألفاظها كثيرة، حتى لتجد فيها مئات وعشرات من المسميات وضعت كلها لمسمى واحد على ما يذكره أهل اللغة. فللأسد وللفرس وللجمل وللسيف وما يتعلق بها ألفاظ كثيرة، تجدها في كتب اللغة والمعجمات. ونحن لا نريد الشك في ذلك، ولكننا إذا أردنا أن نبحث بأسلوب علمي حديث مستند إلى لهجات القبائل، وإلى ما ورد في النصوص الجاهلية، فإننا سنضطر إلى القول بأن هذه الكثرة من الألفاظ ليست مسميات لشيء واحد في لغة واحدة، هي لغة القرآن الكريم، وإنما هي مسميات لذلك الشيء في لهجات عربية أخرى، جمعها علماء اللغة في الإسلام من أفواه أناس ينتمون إلى قبائل متعددة، أشاروا إلى أسماء القبائل التي تكلمت بها أحيانًا، ولم يشيروا إليها في أغلب الأحيان. فذهبت بين الناس على أنها مسميات لمسمى واحد في لغة واحدة، هي هذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، أي: أنهم جعلوها من الألفاظ المترادفة.

ولم تعين الموارد الأعجمية شكل اللغة العربية، ولم تنص على لسان واحد من ألسنة العرب، على أنه اللسان العربي الفصيح العام الذي كان يتكلم به كل العرب.

ولم يعين القرآن هوية اللسان العربي، ولم يخصصه بلسان معين من ألسنة العرب المتعددة، وإنما جاءت التسمية فيه عامة شاملة، لا تخص لسانًا واحدًا، ولا لغة معينة محددة. قال المفسرون في تفسير الآية: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، "فأنزلنا هذا القرآن عربيًّا إذ كانوا عربًا"٢، وقالوا في تفسير الآية: {وكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} ، "كذلك أيضًا أنزلنا الحكم والدين حكمًا عربيًا" وجعل ذلك عربيًّا ووصفه به لأنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عربي


١ تاج العروس "٢/ ١٩٧"، "فصح".
٢ تفسير الطبري "١٦/ ١٥٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>