ومن القرآن واللغة استنبط علماء اللغة قولهم في أن العربية من الإبانة والإفصاح، وأنها إنما دعيت بذلك لأن "يعرب بن قحطان" كان أول من أعرب بلسانه فنسب هذا اللسان إليه. فقد رأينا أن الآيات المتقدمة التي أشرت إليها، ذكت أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وقد جعلته في مقابل اللسان الأعجمي، فاستنتجوا منها أن العربية بمعنى الإفصاح والإبانة، وأن التسمية إنما جاءت من هذا القبيل، مع أن الوصف راجع للغة القرآن، لا للعربية نفسها، ثم وجدوا أن الإعراب في اللغة بمعنى الإفصاح والإبانة، فربطوا بين هذه اللفظة وبين لفظة "العرب"، وقالوا: إن "عرب" بمعنى فصح، وأن "العرب" من هذا الأصل، مع أنهم يذكرون أيضًا أن تعرب معناها أقام بالبادية، وأن تعرب واستعرب، بمعنى رجع إلى البادية بعد ما كان مقيمًا بالحضر فلحق بالأعراب. وأن تعرب بمعنى تشبه بالعرب وتعرب بعد هجرته، أي: صار أعرابيًّا، وأن في الحديث: ثلاث من الكبائر، منها التعرب بعد الهجرة، وهو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب، بعد أن كان مهاجرًا، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد١، ومعنى هذا أن صلتها بالأعرابية وبـ"العرب" بمعنى البدو أهل البادية، أقرب إلى المنطق والمعقول من صلتها بالإبانة والفصاحة، أي: الإعراب. وقد سبق أن ذكرت أن معنى اللفظة في النصوص الأشورية وفي كتب اليونان واللاتين والعبرانيين والسريان، وفي المسند، هو "البداوة" والأعرابية لا غير، ثم أطلقت على جمع سكنة جزيرة العرب، لغلبة الحياة الأعرابية عليها حتى صارت لفظة "العربية" بمعنى بلاد العرب، تدخل فيها مواطن أهل المدر وأهل الوبر، وصارت لفظة "العرب" علمًا على جنس وقوم.
وإذا أخذنا بهذا التفسير التأريخي المستمد من النصوص، لزم علينا القول إن العربية من "عرب""العرب"، أهل العربية، وهم "الأعراب"، وقد أطلقت على ألسنتهم جميعًا من غير تمييز، فكل لهجات العرب: لهجات بدو أو لهجات حضر، هي لهجات عربية، لأنهم عرب ومن سكنة بلاد العرب، ولهذا عرفت "جزيرة العرب" كلها "بالعربية" في كتب اليونان واللاتين على نحو ما تحدثت عن ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب، لا نستثني منها لهجة من اللهجات، مهما كان قربها أو بعدها من العربية التي نزل بها الوحي.