لغات فاسدة إلى جانب لغة الوحي، ولم يكن هذا عملًا مطاقًا ولا مقبولًا بالنسبة إلى ذلك الوقت. ولذلك انحصر عملهم في المجال اللغوي على التوسع والتبسط في هذه اللغة التي أسموها اللغة العالية أو الفصحى، وعلى ما تحتها من لهجات، وما اختلفت فيه بعضها عن بعض، وهي لهجات كانت قريبة من مواطن علماء اللغة، أما اللهجات البعيدة عنهم، فلم تنل منهم أية رعاية أو عناية، ونجد مواضع الاختلاف مسجلة في كتب اللغات والنحو وشواهده وفي كتب النوادر والغريب، ومجالس العلماء، حيث كانوا يتباحثون في أمور اللغة والشعر وأيام العرب وما كان يتلذذ بسماعه الخلفاء والحكام الذين كانوا يثيبون من يستمعون إليه، مما حمل العلماء وأهل الأخبار على تطلب الغريب والتنقير عن الشارد والهارب للتفوق به على أصحاب الحرفة المتنافسين فيما بينهم في عرض بضاعتهم على أصحاب الحكم والمال.
وأجمل ما ذكره هنا علماء العربية من مواضع اختلاف العربيات الأخرى عن العربية المحضة في الأمور الآتية:
أحدها الاختلاف في الحركات، نحو نَسْتعين ونِستعين بفتح النون وكسرها.
فهي مفتوحة في لغة قريش، وأسد وغيرهم يكسرها، ونحو الحَصاد والحِصاد.
والوجه الآخر، الاختلاف في الحركة والسكون نحو مَعَكم ومَعْكم.
ووجه آخر هو الاختلاف في إبدال الحروف، نحو: أولئك وأولالِك.
ومنها قولهم: أن زيدًا وعنَّ زيدًا.
ومن ذلك: الاختلاف في الهمز والتليين نحو مستهزئون ومُسْتهزوْن.
ومنه: الاختلاف في التقديم والتأخير، نحو: صاعقة وصاقعة.
ومنها: الاختلاف في الحذف والإثبات، نحو استحييت واستحيت، وصددت وأصددتُ.
ومنها: الاختلاف في الحرف الصحيح يبدل حرفًا مُعْتلًّا، نحو أمّا زيد، وأيما زيد.
ومنها: الاختلاف في الإمالة والتفخيم، مثل: قضى ورمى، فبعضهم يفخّم وبعضهم يميل.
ومنها: الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول، ومنهم من يضم، نحو اشتروا الضلالة.