للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللغة، بالذهاب بأنفسهم من جديد إلى مواطن اللغة، للأخذ من أحجارها المكتوبة إن وجدت ومن ألسنة الأحياء الباقين، أخذًا علميًّا مقرونًا بدراسات حديثة مبنية على تسجيل الأصوات، للاستعانة بها في الكشف عن لغات العرب بأسلوب علمي حديث.

ويلاحظ أيضًا أن علماء اللغة، قد جمعوا بعض الملاحظات التي ظهرت لهم، من دراساتهم للغة أهل الحجاز، وللغة تميم. فسجلوها في كتب اللغة والقواعد، وقد أشرت إليها فيما تقدم بإيجاز. وإذا قلت أهل الحجاز، فلا أعني لغة قريش وحدها، وإنما لغات القبائل الحجازية، التي تكوّن مجموعة القبائل الساكنة في الحجاز. فإن العلماء حين شرعوا بتدوين اللغة، وجدوا أن لغة أهل مكة لم تعد صافية نقية بسبب اختلاط أهلها بالأعاجم، وظهور الفساد على لسانهم، لذلك، لا نجد لهم ذكرًا بارزًا عند علماء اللغة، وإنما حل محلهم مصطلح: أهل الحجاز.

ويظهر أن عرب "تميم" من علماء اللغة، ووجود عدد من عشائرها في العراق على مقربة من المصريين، ونزول رجال منها البصرة والكوفة، ثم اشتهار رجال من تميم بالفصاحة والبلاغة والخطابة قبل الإسلام، كل هذه وأمور أخرى مكّنت العلماء من تسجيل ملاحظات كثيرة عن لغة تميم، زادت بكثير عن الملاحظات التي دونتها عن القبائل الأخرى، وقد ذكر العلماء في مقابلها ما كان يختلف فيه أهل الحجاز عنهم، فتجمعت لدينا بذلك ملاحظات لغوية ونحوية ميزت لهجات تميم عن لهجات "أهل الحجاز"، وبعض القبائل الأخرى. وقد دخلت هذه الفروق في قراءة القرآن، فقرأ بعض القراء على لغة الحجازيين وقرأ بعض آخر الآيات نفسها على لهجة تميم. كل قرأ على لسانه وتمسك بقراءته، وقد ساعد ذلك عدم وجود الحركات الضابطة للحروف، ولو كانت هناك حركات في مبدأ التدوين تضم الحرف أو تكسره أو تفتحه، لضاق نطاق هذا الاختلاف إذ كان على الناس القراءة وفقًا للمصحف المحرك المشكل الذي اتخذ إمامًا لهم، ولكن عدم وجود مصحف إمام استعمل الشكل والإعجام، سهّل ظهور القراءات.

والخلاف بين "أهل الحجاز" "لغة أهل الحجاز" وبين "تميم"، هو خلاف في إطار مجموعة واحدة من القبائل، هي مجموعة "مضر". فالقبائل الحجازية التي ذكروها هي قبائل مضرية، و"تميم" من قبائل مضر كذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>