للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"اعلم أنه ليس كل من أمال الألفات وافق غيره من العرب ممن يميل، ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه، فينصب بعضٌ ما يميل صاحبه، ويميل بعضٌ ما ينصب صاحبه. وكذلك من كان النصب في لغته لا يوافق غيره ممن ينصب، ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأولين في الكسر "الإمالة" فإذا رأيت عربيًّا كذلك فلا ترينه خلط في لغته ولكن هذا من أمرهم"١.

وذك "ابن فارس"، إن من اختلاف العرب في لغاتهم، اختلافهم "في التذكير والتأنيث، فإن من العرب من يقول: هذه البقر، ومنهم من يقول: هذا البقر، وهذه النخيل، وهذا النخيل"، واختلافهم "في الإعراب، نحو: ما زيد قائمًا، وما زيد قائم، وإن هذين، وإن هذان، وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب"، واختلافهم "في صورة الجمع، نحو أسرى وأسارى"٢.

وفي هذه اللغة فسر المفسرون الآية: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} ، إذ قالوا: إنها نزلت على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، "وهم يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:

فأطرق أطراق الشجاع ولو يرى ... مساغًا لناباه الشجاع لصمما٣

ويظهر من اختلاف العلماء -الذي رأيناه- في نسبة الأمور المذكورة إلى ألسنة القبائل وفي عدم اتفاقهم في كثير من الحالات في تثبيت اللغات المذكورة إلى قبيلة معينة أو حصرها في قبائل وترددهم في أقوالهم، إن ما ذكروه من اختلاف لم يكن حاصل دراسة استقرائية عميقة، وإنما هو حاصل اتصال بأفراد أو بعدد قليل من الأعراب ومن المدعين بالعلم في ألسنة العرب، ولهذا نجد التناقض باديًا في أقوالهم، وصارت دراساتهم المتقدمة ناقصة غير كاملة، لا تتناول إلا أمورًا جانبية لا تمس صلب اللغة ولا تنال قواعدها في الصميم. وعلى علماء اللغة في الوقت الحاضر واجب الخروج على الجادة القديمة التي يسيرون عليها اليوم في دراسة


١ العصر الجاهلي، دكتور شوقي ضيف "١٢٢".
٢ الصاحبي "٤٩ وما بعدها".
٣ تفسير الطبري "١٦/ ١٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>