للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم نُقلت اللغة العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي، من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم"١. فهي في مقدمة القبائل التي ركن إليها علماء اللغة في أخذ اللغة عنهم، يليهم هذيل، فكنانة، وبعض الطائيين.

ومعنى هذا أن بناء العربية، الذي قام به علماء اللغة، إنما أخذ معظم مادته من لغات القبائل الثلاث المذكورة، وهي قبائل أقامت في مواضع متجاورة منذ القدم، وكانت بطونها قد توغلت في بوادي العراق في الجاهلية القريبة من الإسلام وفي الإسلام، وفي البحرين ونجد وبعض مناطق اليمامة. فهي تكوّن جزءًا كبيرًا من جزيرة العرب والعراق.

ولتجاور القبائل الثلاث المذكورة في القديم، أثر كبير في تشابك اللغات وفي تقاربها، لأن للجوار أثرًا خطيرًا في تطور اللغة ونموها. ونحن في حاجة اليوم إلى وضع صورة مضبوطة لتوزع القبائل في الجاهلية في جزيرة العرب وبادية الشام على مر الأدوار، لنتمكن بواسطتها من تتبع الأثر السياسي والثقافي لهذه القبائل وذلك فيما قبل الإسلام، ومن دراسة ما ذكره علماء اللغة من فروق بين اللغات بصورة علمية دقيقة مضبوطة، بتسجيل كل ما ذكروه وإحصائه بالضبط، ثم تطبيق ما ذكروه على مواطن هذه القبائل التي ضبطت ضبطًا صحيحًا على هذه الصورة.

ونجد في كتب اللغة والمعاجم أمورًا لغوية كثيرة، مبعثرة لم يشر إليها العلماء إلا عرضًا، مثل قول بني أسد "ييجع" بكسر أوله، مع عدم قولهم "يِعلم" استثقالًا للكسرة على الياء وأمثال ذلك٢، مما يحتاج إلى جمع وتصفية للوقوف على قديم اللغات.

وقد عرفت "بنو أسد" ببروزها في شقي الكلام: الشعر والنثر. "قال يونس بن حبيب: ليس في بني أسد إلا خطيب، أو شاعر، أو قائف، أو زاجر، أو كاهن، أو فارس. قال: وليس في هذيل إلا شاعر أو رام،


١ المزهر "١/ ٢١١".
٢ تاج العروس "٥/ ٥٣٣"، "وجع".

<<  <  ج: ص:  >  >>