للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو درسنا الألفاظ المعربة المذكورة، نجد أن العلماء قد أخطأوا في تشخيصها وخلطوا في الغالب بين أصولها، بسبب أنهم لم يكونوا يحسنون اللغات الأعجمية، ما عدا الفارسية، وأنهم لم يراجعوا أهل العلم والتخصص في اللغات الأعجمية، من رجال الدين من أهل الكتاب، أو المتبحرين بالأدب من الروم والسريان، بل اكتفوا بمراجعة أيًا كان ممن كانوا يعرفونهم من نصارى ويهود، وحيث أنه لم يكن لدى هؤلاء علم المتبحرين في الدين والأدب، جاءت أجوبتهم فجة أو مغلوطة، ودوّنت على هذه الصورة.

ونظرًا لعدم وقوف العلماء على اللغات العربية الجنوبية، جعلوا ألفاظًا عربية واردة في القرآن مثل "العرم" لفظة حبشية١، مع أنها لفظة عربية جنوبية، مدوّنة في النصوص، وجعلوا ألفاظًا أخرى من هذا القبيل، من الألفاظ المعربة عن لغات أعجمية.

وقد اتخذ بعض العلماء حديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، دليلًا على نزول القرآن بلغة قريش، فقد قالوا: إن الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن واقعة كلها في لغة قريش، ذلك أن قريشًا كان قد داوروا بينهم لغات العرب جميعًا وتداولوها، وأخذوا ما استملحوه من هؤلاء وهؤلاء في الأسواق العربية ومواسمها، وأيامها ووقائعها، وحجها وعمرتها، ثم استعملوه وأذاعوه، بعد أن هذبوه وصقلوه. وبهذا كانت لغة قريش مجمع لغات مختارة منتقاة من بين لغات القبائل كافة، وكان هذا سببًا من أسباب انتهاء الزعامة إليهم، واجتماع أوزاع العرب عليهم، ومن هنا شاءت الحكمة أن يطلع عليهم القرآن من هذا الأفق، وأن يطل عليهم من سماء قريش٢.

وهو استنتاج غير مقنع، لما أورده العلماء أنفسهم من أقوال وتفسير للحديث المذكور، ولما أوردوه من أن الصحابة من قريش، كان يشكل عليهم اللفظ من القرآن مثل "أبا" فيسألون عنه، لأنه لم يكن من لغة قريش. فقد ذكروا أن "عمر"، قرأ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} حتى أتى على هذه الآية: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ، فقال: قد علمنا الفاكهة فما الأب. ثم قال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا


١ الإتقان "٢/ ١٠٩".
٢ الزرقاني، مناهل العرفان "١٨٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>