للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهو التكلف. وذهب البعض إلى أن المراد من اللفظة ما أنبتت الأرض للأنعام، وذكر بعض العلماء أنها بلغة الحبش١. وذكروا أشياء أخرى من هذا القبيل، تعارض قبول هذا الاستنتاج.

والذي أراه أن نص القرآن يعارض حديث الأحرف السبعة، ففيه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ٢، وفيه: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ٣ وفيه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . فليس للرسول أن يغير أو يبدل ما نزل به الوحي عليه، ثم إنه كان لا ينتهي من الوحي، حتى يأمر من يكون عنده بتدوينه بلسانه حال نزوله عليه، وإذا لم يكن هناك كاتب أمر من يستدعي له كاتبًا ليدونه، فكيف يتفق ذلك مع هذا الحديث، ومع الأمثلة التي ذكروها في القراءات؟ ورد أن الرسول علم "البراء بن عازب" دُعاء فيه: "ونبيك الذي أرسلت"، فلما أراد البرّاء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله قال: "ورسولك الذي أرسلت"، فلم يوافقه النبي على ذلك، موضع لفظة نبي، مع أن كليهما حق لا يحيل معنى، إذ هو رسول ونبي معًا، فكيف كان يُجيز أن يوضع في القرآن مكان عزيز حكيم، غفور رحيم، أو سميع عليم، وكيف نقبل هذه الرواية التي تذكر أن "عبد الله بن مسعود" أقرأ رجلًا كلمة "الفاجر" بدلًا من كلمة الأثيم في الآية: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ} ٤، مع ورود المنع عن تغيير أي حرف من حروف القرآن، وهل يعقل قيام "ابن مسعود" بذلك وسكوت الصحابة عن عمله، لو صحّ أنه فعل ذلك.

ولو كان القرآن قد نزل بلغة قريش وحدها، فلمَ كان الصحابة من قريش مثل "أبو بكر" و"عمر" وغيرها، يتحيرون في تفسير ألفاظ وردت فيه، أو يلجأون إلى الشعر يستعينون به في تفسير القرآن، والشعر هو شعر العرب، لا شعر قريش وحدها. قال "ابن عباس" "إن الشعر ديوان العرب"، وكان


١ عبس، الآية٣١، تفسير الطبري "٣٠/ ٣٨"، الإتقان "٢/ ١٠٨".
٢ البروج، ٨٥، الآية٢٢.
٣ يونس، ١٠، الآية١٥.
٤ الزرقاني، مناهل العرفان "١٨١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>