للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى توحيد لغتي القرآن والشعر الجاهلي، في الوقت الذي نظموا فيه واستخرجوا قواعد العربية الفصحى، مما أدى إلى إضاعة أشياء قليلة من اللهجة الشعرية الجاهلية في سبيل التوفيق بينها وبين لغة القرآن. وما العربية الفصحى الحالية إلا لهجة ولدت من لغة الشعر ولغة القرآن، والقرآن والشعر الجاهلي المضبوط في شكله الحاضر لا يمثلان اللغة الشعرية في شكلها القديم، وإنما يبتعدان بعض الابتعاد عن تلك اللهجة، بسبب ما فعله علماء النحو والصرف، في تلك اللهجة من تشذيب وتهذيب لتلتئم مع لغة القرآن ومع قواعدها وقواعد لغة الشعر التي رسخها علماء اللغة.

وأما رأي علماء العربية، فخلاصته أن لغة قريش هي الأصل، "وإنما صارت لغتهم الأصل، لأن العربية أصلها إسماعيل عليه السلام، وكان مسكنه مكة"١.

وعندهم أن العربية قحطانية وحميرية وعربية محضة، وبهذه الأخيرة نزل القرآن، وقد انفتق بها لسان إسماعيل٢، وهي العربية الفصحى، لسان إسماعيل، ألهم بها إسماعيل إلهامًا٣. رووا عن "عمر" أنه قال: "يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: "كانت لغةُ إسماعيل قد دَرست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفظنيها، فحفظتها" ٤. وهم يقولون: إن "أول من تكلم بالعربية إسماعيل بن إبراهيم"، أو أن "أول من تكلم بالعربية ونسي لسان أبيه إسماعيل بن إبراهيم"، بل تجاوز بعض منهم، وبالغ حتى زعم أن "العرب كلها ولد إسماعيل، إلا حمير وبقايا جرهم"، وأن العربية الصحيحة الفصيحة هي العربية التي نزل بها القرآن، أما لسان حمير وأقاصي اليمن، فليس "بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا"٥.

ورأيهم أن قريشًا أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وأنقاهم لسانًا، "وذلك أن الله تعالى اختارهم من جميع العرب، واختار منهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فجعل قريشًا قطّان حرمه، وولاة بيته، فكانت وفود العرب من


١ الرافعي، تأريخ آداب العرب "١/ ٨٠".
٢ الرافعي، تأريخ آداب العرب "١/ ٨٠".
٣ المزهر "١/ ٣٢ وما بعدها".
٤ المزهر "١/ ٣٤ وما بعدها".
٥ ابن سلام، طبقات "٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>