للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي: لخلخانية العراق، وتياسروا عن كشكشة بكر، وتيامنوا عن كسكسة تميم، ليست فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. قال: من جرم"١. واللخلخانية اللكنة في الكلام، والغمغمة: ألا يبين الكلام، والطمطمانية: العجمة. "قال الأصمعي: وجرم: فصحاء العرب. قيل: وكيف وهم من اليمن؟ فقال: لجوارهم مضر"٢ فمضر هم أهل الفصاحة على رأيه.

ورووا "عن أبي بكر الصدِّيق، رضي الله عنه، أنه قال: قريش هم أوسط العرب في العرب دارًا، وأحسنه جوارًا، وأعربه ألسنة. وقال قتادة: كانت قريش تجتبي -أي: تختار- أفضل لغات العرب، حتى صار أفضل لغاتها لغتها، فنزل القرآن بها"٣.

وقد استدلوا نزول القرآن بلغة قريش بأدلة أخرى، منها قول عمر: "لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف"٤.

وزعموا أن العرب "كانت تعرض أشعارها على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولًا، وما ردّوه منها كان مردودًا، فقدم علقمة بن عبدة التميمي، فأنشدهم قصيدته: هل ما علمت وما استودعت مكتوم. فقالوا: هذا سمط الدهر، ثم عاد إليهم العام المقبل فأنشدهم قصيدته: طحا بك قلبٌ في الحسان طروب، فقالوا: هاتان سمطا الدهر"٥. فما كان علقمة ولا غيره ليكلف نفسه مشقة الذهاب إلى قريش، وإلى سوق عكاظ، لو لم تكن لغتها أفصح لغات العرب وأعذبها وأسلسها، ولو لم يكن لها علم بالشعر يفوق علم غيرها به.

وزعموا أيضًا أن العرب كانوا في جاهليتهم يقول الرجل منهم الشعر فلا يعبأ به ولا ينشده أحد، حتى يأتي مكة في موسم الحج، فيعرضه على أندية قريش فإن استحسنوه روى، وكان فخرًا لقائله وعلق على ركن من أركان الكعبة حتى


١ الفائق "٢/ ٤٥٩".
٢ المصدر نفسه.
٣ اللسان "١/ ٥٨٨"، "عرب". "طبعة دار صادر"، تاج العروس "١/ ٣٧٤"، "عرب".
٤ الصاحبي "٥٧ وما بعدها".
٥ الأغاني "١٢/ ١١٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>