للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظر إليه، وإن لم يستحسنوه طرح وذهب فيما يذهب. وقال "أبو عمرو بن العلاء: كانت العرب تجتمع في كل عام، وكانت تعرض أشعارها على هذا الحي من قريش١. وكان العرب يعلقون أشعارهم بأركان الكعبة، كما فعل أصحاب المعلقات السبع، وإنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من له قدرة على ذلك بقومه وبعصبيته ومكانه في مضر٢.

فقريش أفصح العرب، ومعدن الفصاحة ومركزها وينبوعها، ثم من جاورهم وقاربهم، ثم من جاء بعد هؤلاء، فكلما بعد قوم عن قريش، بعدت لغتهم عن الفصاحة، ولهذا كان احتجاج علماء اللغة بلغات العرب على نسبة بعدهم عن قريش، "فاعتبروا لغة قريش أفصح اللغات وأصرحها، لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم، ثم من اكتنفهم من ثقيف، وهذيل، وخزاعة، وبني كنانة، وغطفان، وبني أسد، وبني تميم. ثم تركوا الأخذ عمن بعُد عنهم من ربيعة، ولخم، وجذام، وغسان، وإياد، وقضاعة، وعرب اليمن، لمجاورتهم الفرسَ، والروم، والحبشة"٣.

وأما رأي المحدثين من علماء العربية عندنا، فهو رأي الموافق المؤيد. هذا الدكتور "طه حسين" يقول في كتابه: "في الأدب الجاهلي": "أما أن هذه اللغة العربية الفصحى التي نجدها في القرآن والحديث وما وصل إلينا من النصوص المعاصرة للنبي وأصحابه لغة قريش، فما نرى أنه يحتمل شكًّا أو جدلًا؛ فقد أجمع العرب على ذلك بعد الإسلام، واتفقت كلمة علمائهم ورواتهم ومحدثيهم ومفسريهم على أن القرآن نزل بلغة قريش، أو قل على أن هذا الحرف الذي بقي لنا من الأحرف السبعة إنما هو حرف قريش. وقد يكون من التكلف والتحذلق أن يجمع العرب كافة على أن لغة القرآن هي لغة قريش. وألا يظهر في العصر الإسلامي الأول ولا في أيام بني أمية ولا في أيام بني العباس من ينكر هذا أو يجادل فيه رغم ما كان من الشعوبية الأعجمية ومن الشعوبية الحميرية ومن الخصومات السياسية بين قريش وغيرها من قبائل مضر، ثم يزعم زاعم أن هذه


١ خزانة الأدب "١/ ٨٧".
٢ مقدمة ابن خلدون "١/ ٥٠٩"، "١١٥".
٣ الرافعي "١/ ٢٥٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>