للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السامية الأخرى، صعب على العلماء إدراكها بسبب ذلك، فاكتفوا باستخلاص معناها من وضعها في الجمل، وذلك بصورة تقريبية١. كما نلاحظ أن الأسماء فيها، تختلف عن الأسماء المعروفة عند العرب الشماليين، وأن الأسماء الواردة في كتابات المسند المتأخرة، تختلف بعض الاختلاف عن الأسماء الواردة في النصوص القديمة، فقد تغلبت البساطة على الأسماء المتأخرة، حتى صارت تشاكل أسماء العرب الشماليين المألوفة عند ظهور الإسلام. وقد لاحظ "الهمداني" هذه الظاهرة، فعبر عنها بقوله: "فربما نقل الاسم على لفظ القدمان من حمير، وكانت أسماء فيها ثقل فخففتها العرب وأبدلت فيها الحروف الذلقية، وسمع بها الناس مخففة مبدلة. فإذا سمعوا منها الاسم الموفر، خال الجاهل أنه غير ذلك الاسم وهو هو٢.

وخير ما يمكن أن نفعله في نظري لمعرفة المتكلمين بالعربية الفصحى، هو أن نقوم بالبحث عن الخصائص النحوية والصرفية واللفظية التي تميزها عن بقية العربيات، فإذا ضبطناها استطعنا تعيين من كان يتكلم بها. ولما كنّا لا نملك نصوصًا جاهلية مدوّنة بها، صار من الصعب علينا التوصل إلى نتائج علمية إيجابية مرضية، تحدد القبائل والأماكن التي تكلمت بها تحديدًا صحيحًا مضبوطًا، غير أن المثل العربي يقول: ما لا يدرك كله لا يترك جله، فإذا عسر علينا الحصول على نتائج كلية مقنعة، فلا بأس من الرضا بالحصول على جزء أو بعض من نتائج قد تقدم لنا معرفة وعلما. ونحن إذا سرنا وفق حكمة هذا المثل، ودرسنا خصائص هذه العربية، نجد أن من أولى ميزاتها استعمالها "ال" أداة للتعريف، تدخلها على أول الأسماء النكرة، فتحيلها إلى أسماء معرفة، بينما نجد العربيات الأخرى التي عثر على نصوص جاهلية مدوّنة بها تستعمل أدوات تعريف أخرى. ولما كنّا نعرف المواضع التي عثر فيها على هذه النصوص، صار في إمكاننا حصرها، وبذلك نستطيع التكهن عن المواضع التي كان يتكلم أهلها بالعربية التي تستعمل "ال" أداة للتعريف، أي: هذه العربية الفصحى. ولما كانت العربية الجنوبية قد استعملت الـ "ن" "ان" أداة للتعريف، تلحقها في أواخر الأسماء المنكرة، وحيث أننا لم نتمكن حتى الآن من الحصول على نص في هذه الأرضين استعمل "ال" أداة للتعريف فباستطاعتنا القول: إن سكانها لم يدوّنوا بالعربية القرآنية،


١ ولفنسون، السامية "٢٤٦ وما بعدها".
٢ الإكليل "١/ ١٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>