للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل كان تدوينهم وكلامهم بالعربية الجنوبية التي كانت تضم جملة لهجات. ولما كان آخر نص عثر عليه مدوّن بالمسند، يعود تأريخه إلى سنة "٥٥٤" للميلاد١، صار في إمكاننا القول بأن العربية الجنوبية كانت وبقيت لسانًا للعرب الجنوبيين إلى ظهور الإسلام.

ونظرًا لعثور الباحثين على كتابات مدوّنة بالمسند، في "القرية" أو "قرية الفأو" وفي مواضع أخرى من "وادي الفأو"، وفي مواضع من "وادي الدواسر"، وفي مواضع تقع جنوبي خشم العرض، فإن في استطاعتنا القول إن أهل هذه الأرين كانوا يكتبون بالمسند٢، ويتكلمون بلغات عربية جنوبية، اختلفت بعض الاختلاف عن العربيات الجنوبية المستعملة في العربية الجنوبية. فهي إذن من المناطق التي لم يتكلم أهلها بالعربية القرآنية. ونظرًا لما نجده من وجود بعض الاختلاف بين عربية هذه المنطقة وعربية العربية الجنوبية، فإننا نستطيع القول بأنها تكون مرحلة وسطى بين العربيات الجنوبية والعربية القرآنية، وحيث أن كثيرًا من هذه الكتابات لم يكتب لها النشر، ولوجود كتابات أخرى لم يتمكن الباحثون من نقشها أو تصويرها، فمن المحتمل في رأيي مجيء يوم قد يعثر فيه على لهجات جديدة، قد تزيح الستار عن أسرار اللغات عند الجاهليين، وقد تكون مجموعات لغوية جديدة من مجموعات اللغات العربية عند أهل الجاهلية.

وقد عثر في العربية الشرقية على كتابات جاهلية مدوّنة بالمسند هي وإن كانت قليلة، إلا أنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة للباحث في تأريخ تطور الكتابة عند العرب، وللباحث في اللهجات العربية الجاهلية. فقد ثبت منها أن أصحاب هذه الكتابات كانوا يتكلمون بلهجات غير بعيدة عن اللهجة العربية القرآنية، وإن كتبوا بالمسند. ويلاحظ من النص الذي هو شاهد قبر رجل اسمه "إيليا بن عين بن شصر" أنه استعمل لفظة "ذ" بمعنى "من" ونأسف لأن هذه النصوص القليلة قصيرة، وفي أمور شخصية قد خلت من أداة التعريف؛ لذلك لا نستطيع تثبيت لهجتها بصورة أكيدة٣.


١ جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "١/ ٢٢".
٢ جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "١/ ١٩٥ وما بعدها".
٣ جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "١/ ١٩٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>