للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستنادًا إلى النصوص الثمودية واللحيانية والصفوية، التي استعملت الـ"هـ" "ها" أداة للتعريف، نستطيع أن نقول: إن أصحاب هذه اللهجات يكوّنون مجموعة من اللغات قائمة بذاتها، تختلف عن العربية الجنوبية وعن العربية القرآنية.

وهي تشارك العبرانية في استعمال الأداة المذكورة في التعريف، ولكنها تقارب عربية "ال" في استعمال المفردات.

وأما النبط، وهم عرب من العرب الشماليين، فقد استعملوا أداتين للتعريف، أداة هي حرف الألف الممدود اللاحق بآخر الاسم، مثل "ملكا" بمعنى "الملك"، و"مسجدا"، بمعنى "المسجد"، وأداة أخرى، هي أداة "ال" التي نستعملها في عربيتنا. وفي استعمال النبط لأداتين للتعريف، دلالة على تأثرهم بالآراميين وبالعرب المتكلمين باللغة العربية القرآنية، أو العرب المستعملين لأداة التعريف "ال" بتعبير أصح. والنبطية نفسها، لغة وسط، جمعت بين الآرامية والعربية، فبينما نجدها تستعمل الآرامية، إذا بها تخلط معها ألفاظًا وتراكيب عربية فصيحة. وذلك بسبب اختلاط النبط بالآراميين وتأثرهم بثقافتهم، واحتكاكهم بالأعراب، وكونهم عربًا في الأصل١. ومعنى هذا أن العرب الذين كانوا يجاورون النبط، وهم عرب البوادي كانوا من المتكلمين بأداة التعريف "ال"، سمة العربية الفصيحة.

وأما النصوص المدونة بنبطية مشوبة بمصطلحات عربية، وأهمها نص "حرّان" الذي يعود تأريخه إلى سنة "٣٢٨" للميلاد، فإنه يفصح عن قوم عرب أو نبط لاستعمالهم "ال" أداة للتعريف في الألفاظ: "التج" بمعنى "التاج"، وفي "الأسدين"، بمعنى "أسد"، وفي "الشعوب". وأرجح كونهم عربًا، لاستعمالهم جملًا عربية فصيحة بينة في هذا النص، مثل: "ملك العرب"، و"مدينة شمر"، و"نزل بنيه الشعوب"، و"فلم يبلغ ملك مبلغه"، فهذه جمل عربية، أصحابها عرب، وإن كتبوا بالنبطية، وقد تفصح عن عربية أهل الحيرة في ذلك الوقت؛ لأن الملك المتوفى، وهو "امرؤ القيس"، هو من ملوك الحيرة، والنص المكتوب، هو شاخص قبره، فمن المعقول تصور أن الكتابة كتبت بلغة أهل الحيرة في ذلك العهد٢.


١ جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "٧/ ٣٠٥ وما بعدها".
٢ جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "٧/ ٢٧٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>