للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللغة. ومن دلائل هذا الأخذ والعطاء، ما حدث في العصور الإسلامية: من أخذ وعطاء بين العربية واللغات الأعجمية، فطعمت العربيةُ الفارسيةَ والتركية والرومية وغيرها بمادة غزيرة من الكلمات، كما أخذت هي حاجتها منها. ومن دلائله أيضًا ما يقع اليوم من وضع المصطلحات لمعاني لا عهد للعربية بها من قبل كمخترعات تظهر دومًا ومعاني علمية ليس للعلماء عهد بها، ولا بد من وضع ما يقابلها في العربية، بوضع لفظ عربي، أو تعريب المصطلح وتكييفه وفق النطق العربي إن كان من غير الممكن إخضاعه للمفردات العربية.

وقد يزعج هذا الرأي فريقًا من الناس يذهبون إلى أن العربية لغة نقية صافية لم تتأثر بغيرها من اللغات، فلم تأخذ من اللغات شيئًا، ولم يدخل إليها لفظ أجنبي، أو أن ما دخل إليها من دخيل معرب هو قليل، وهم في منطقهم هذا محافظون متزمتون لا يعترفون بنظرية الأخذ والعطاء في اللغات. فإذا قلت لهم: إن اللفظة الفلانية لفظة معربة وأصلها أعجمي، أجابوك: ولكنها وردت في القرآن الكريم، ووردت في شعر فلان، وفلان من الشعراء الجاهليين. وإذا قلت لهم: ولكن دخولها العربية كان قبل الإسلام بزمن، وقبل ذلك الشاعر بزمن طويل، وأن الجاهليين نسوا أصلها واستعملوها استعمال الألفاظ العربية، فحكمها إذن حكم الألفاظ العربية في أيام ذلك الشاعر، وعند نزول الوحي، أجابوك أيضًا: وكيف نؤمن أنها معربة، أفلا يجوز أن تكون عربية في الأصل، وقد أخذها الأعاجم أنفسهم من العربية، ومن أين لك الدليل على العكس؟ وإذا ذكرت لهم أن اللفظة الفلانية عبرانية في الأصل أو سريانية أو كلدانية، قالوا: وكيف تثبت ذلك، وهذه اللغات والعربية كلها من أصل واحد ودوحة واحدة، فلمَ تحكم بأنها من أصل سرياني أو عبراني أو كلداني أو غير ذلك، ولا تحكم بأنها عربية أصيلة، وأن وجودها في تلك اللغات، هو بسبب اشتراكها والعربية في الأصل السامي. فهي في العربية أصيلة إذن، وهي في تلك اللغات أصيلة أيضًا وقديمة بسبب مشاركتها للعربية في الأصل السامي.

وقد فات مثل هؤلاء أن القدامى من العلماء لم يفتهم أمر هذه المعربات، فأشاروا إليها، ومنهم جمهور أصحاب كتب التفاسير والحديث والمعجمات، وأن من العلماء من ألّف في هذا الموضوع، فألّف أبو منصور المعروف بالجواليقي كتابًا في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>