للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب دعاه: "المعرب من الكلام الأعجمي"١. ولم ينتقده مع ذلك علماء يومه، ولا من جاء بعده لإقدامه على تأليف كتابه هذا، ولم يقل أحد أنه كان جاهلًا أو متحاملًا على العربية، مسيئًا إليها، لأنه أنكر أصول الألفاظ المذكورة في مؤلفه، فعدّها أعجمية معربة مع أنها عربية أصيلة، لا شك في عربيتها ولا شبهة. قال "الجاحظ": "ألا ترى أن أهل المدينة لمّا نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر علقوا بألفاظ من ألفاظهم، ولذلك يسمّون البطيخ الخربز، ويسمون السميط الرزدق، ويسمّون المصوص المزور، ويسمّون الشطرنج الاشترنج، في غير ذلك من الأسماء"٢. ونجد في تفسير "الطبري"، وهو من العلماء الثقات المحققين وفي تفاسير غيره من العلماء المدققين إشارات إلى أصول ألفاظ وردت في كتاب الله ذكروا أنها من المعربات، وقد نصوا على أصولها التي أخذت منها، حسب علمهم واجتهادهم في ذلك الوقت، لم يجدوا في ذلك بأسًا ولا انتقاصًا لحرمة القرآن، أو مسًا به.

وفي القرآن -كما يذكر العلماء- أكثر من مائة لفظة معربة، نصوا على أصولها حسب علمهم واجتهادهم واستفسارهم من الأعاجم، وهي كلمات دخل بعضها العربية قبل الإسلام بعهد طويل لعدم وجود مثيل لها في لغة العرب، فأخرجتها العرب على أوزان لغتها وأجرتها في فصيحها، فصارت بذلك عربية، وإنما وردت في القرآن لأنها كانت قد تعربت وجرت عند العرب مجرى الفصيح، ولم تكن لديهم ألفاظ غيرها٣. وفي بعض هذه المعربات ألفاظ لم تكن مألوفة أو معروفة عند الوثنين؛ لأنها من ألفاظ أهل الديانات، ونظرًا لكونها تعبر عن أمور دينية ضرورية لا مثيل لها في العربية، وكان من اللازم تعليم الناس إياها، لذلك وردت في القرآن.

وقد رجع العلماء أصول المعربات الواردة في القرآن إلى لغات كانت شائعة آنذاك ومعروفة للعرب، أخذها العرب منها باحتكاكهم بأهلها، مثل اليونانية، والفارسية، والسريانية، والعبرانية، والحبشية، والهندية، والقنبطية، والنبطية،


١ المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، لأبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي، تحقيق أحمد محمد شاكر، القاهرة ١٣٦١.
٢ البيان والتبيين "١/ ١٩".
٣ الرافعي، تأريخ آداب العرب "٢/ ٥٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>