للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل السامي، وتشترك كلها أو أكثرها في كثير من الألفاظ، والحكم بأن هذه أخذت من هذه أو تلك، حكم فج ناقص إذ لم يستند إلى موارد ونصوص مرتبة ترتيبًا تأريخيًّا. ثم إن العربية ليست عربية واحدة؛ فإن هناك ألسنة عربية أخرى، مثل عربيات اليمن، وهي لهجات عربية قديمة ذات نصوص يعود تأريخ بعضها إلى ما قبل الميلاد، فلا يجوز التعميم بالاستناد إلى لغة القرآن الكريم وحدها، بل لا بد من تتبع ما جاء في اللغات العربية الأخرى. أضف إلى ذلك أن أهل اليمن كانوا أصحاب حضارة وحضارتهم أرقى وأعلى درجة من حضارة بعض الساميين.

ولذلك يدفعنا الواجب إلى دراسة ما جاء في نصوصهم من ألفاظ ومسمّيات وآراء ومقارنتها بما جاء في النصوص الواردة في اللغات السامية الأخرى، للحصول على رأي علمي في هذه الأمور. ولكننا مع ذلك نحن في وضع لا نتمكن فيه من البت في هذه الأمور، لأن ما لدينا من نصوص جاهلية أغلبه من النوع الذي عثر عليه على ظاهر الأرض، لأن الظروف لم تمكن العلماء حتى الآن من التنقيب تنقيبًا علميًّا عميقًا في باطن مواطن الآثار، لاستخراج المطمور من الكتابات والآثار الأخرى، والغالب أن يكون المطمور ذا أهمية كبيرة، وسيعين المؤرخين في كتابة الأجزاء المفقودة من تأريخ العرب قبل الإسلام. وقد يكون من بين ما يعثر عليه ما هو أقدم من النصوص التي بين أيدينا. وعلى هذه النصوص أن رتبت ترتيبًا زمنيًّا يوثق به، يمكن أن يكون اعتمادًا في تثبيت المفردات وفي تعيين زمن استعمالها في العربية وفي كونها عربية أصيلة أو معربة.

إن وجود المعربات دليل على اتصال الجاهليين بغيرهم، واتصال غيرهم بهم.

وعلى الروابط الفكرية التي كانت بين العرب وبقية الساميين، وبين العرب والشعوب الأخرى وجمعها وتصنيفها لذلك في مجموعات حسب الموضوعات يعطينا رأيًا عن النواحي التي تأثر بها الجاهليون في أمور الحياة. غير أن هذا العمل عمل شاق، ويجب أن يستند إلى معجمات جامعة مرتبة ترتيبًا تأريخيًّا، تذكر الكلمة، ثم تذكر أصلها ومن أي أصل أخذت وفي أي زمن كان ذلك، وأول من استعملها أو أقدم نص عربي وردت فيه، وفي أي معنى استخدمت، وهكذا. ولكننا لا نملك، ويا للأسف، مثل هذه المعجمات. وكل ما لدينا معجمات قديمة، لم تنته لهذه الأمور، ولم تميز الجاهلي من الإسلامي، ولا اللفظ الوارد في عربية القرآن الكريم من اللفظ الوارد في اللهجات العربية الأخرى. فذكرت الألفاظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>