للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواردة في اللهجات العربية الأخرى على أنها مرادفات، ترد في عربيتنا على حين أنها مسميات للشيء ذاته في اللغات العربية الأخرى.

والذين يقولون بعدم وقوع المعرب في كلام العرب، كأنهم يتصورون أن العرب كانوا بمعزل عن العالم وانقطاع عن الناس. ولهذا لم يتأثروا بغيرهم، ولم يؤثروا في غيرهم، وأن عرقهم لذلك بقي صافيًا نقيًّا سليمًا، لم تدنسه أعراق أعجمية، ولم يمازج دمهم دمٌ غريب، ولم تدخل لغتهم لفظة غريبة، بل بقيت نقية صافية على ما خلقها الله يوم خلق اللغات. وقد تكون في اللغات الأخرى، كلمات دخيلة، أما العربية فحاشاها من ذلك!

وهؤلاء لا يدرون أنه قد كانت في سواحل جزيرة العرب قبل الإسلام مستوطنات يونانية، نشأت في مواضع عديدة من سواحل البحر الأحمر وسواحل البحر العربي والخليج العربي، وقد بقي أصحاب تلك المستوطنات في مستوطناتهم فلم يعودوا على ديارهم، ونسوا أصولهم وعاداتهم، وصاروا عربًا مثل سائر العرب، يرجعون أنسابهم إلى أصول عربية على عرف العرب والأعراب. وأن منهم من بقي عرقه الدساس يحنّ إلى أصله، فقد ذكر المؤلفون اليونان أن بعض القبائل العربية الساكنة على السواحل، كانوا يرحبون ببعض اليونان، لاعتقادهم أنهم يجمعهم وإياهم صلب واحد.

يضاف إلى ذلك الرقيق من الجنسين، وقد كانت بلاد العرب تجلب عددًا كبيرًا منه في كل عام، تشتريه من أسواق العراق ومن أسواق بلاد الشأم، وتوكل إليه القيام بأعمال مختلفة، ولا سيما الأعمال التي تحتاج إلى خبرة ومهارة فنية ودراية. ونحن نعلم أن العربي الصريح يأنف من الاشتغال بالحرف وزراعة الخضر، ولذلك وُكِلَ إلى هذا الرقيق أمر القيام بها، فأدخل إلى العربية كثيرًا من الألفاظ الخاصة بالزراعة وبالحرف، لم تكن معروفة في العربية، كما سأتحدث عن ذلك فيما بعد.

يضاف إلى ذلك أيضًا، التجارة. فقد كان التجار من عرب وغرباء يتعاطونها في جزيرة العرب وفي خارجها، يصدرون منها حاصلاتها وما تجمع فيها من سلع مستوردة من سواحل أفريقية الشرقية والهند، ويأتون إليها بما تحتاج إليه قبائلها وأهل مدرها وأهل إفريقية من بضائع مصنوعة أو منسوجة من حاصل الانبراطوريتين

<<  <  ج: ص:  >  >>