للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب استعملوا معربات من أصل سرياني؛ لأنهم اضطروا إلى استعمالها؛ لأنها تعابير دينية لا وجود لها عند العرب الوثنيين أولًا، ثم هي مصطلحات رسمية كنسية، لم تتساهل الكنيسة في تغيير أسمائها، ولهذا استعملها العرب على النحو المرسوم، كما يستعمل الأعاجم المسلمون المصطلحات العربية؛ لأنها مصطلحات إسلامية ليس لها مقابل في لغتهم، أو لأنها مصطلحات دينية نحب المحافظة على تسميتها وإن وجد لها مقابل في لغات الأعاجم.

وأكثر المعربات الجاهلية، هي من أصل يرجع إلى لغة بني إرم أو إلى لغة الفرس، ثم تليها المعربات المأخوذة من لغات أخرى مثل اليونانية والعبرانية واللاتينية والحبشية والقبطية، وكثير من الألفاظ اليونانية إنما دخل إلى العربية عن طريق السريانية، فقد كان السريان قد أدخلوها في لغتهم؛ لأنها لم تكن معروفة عندهم، ومن لغتهم هذه تعلمها الجاهليون.

والمعربات السريانية الأصل، هي في الزراعة في الغالب، وفي التوقيت، ثم في موضوعات دينية وصناعية وتجارية وفي أمور أخرى. أما المعربات عن الفارسية فهي في موضوعات زراعية كذلك وفي أسماء المأكول والملبوس وأمور اجتماعية.

وأما المعربات عن العبرانية، ففي أمور خاصة بسكناهم بين العرب وبأمور دينهم وشئونهم. وأما المقتبس عن اليونانية فهو في أمور حِرْفية، وفي مصطلحات دينية ومصطلحات زراعية ومصطلحات تستعمل في شئون البحر وما شاكل ذلك.

وتفسير وجود المعربات السريانية والفارسية بنسبة تزيد على نسبة وجود المعربات الأخرى، هو أن المتكلمين بلغة بني إرم كانوا مزارعين في الغالب، وكانوا على اتصال بالعرب، وقد خالطهم العرب وعاشوا بينهم، واقتبسوا منهم، حتى أنهم كتبوا بلسانهم، ودخل الكثير منهم في دينهم، دين النصرانية، ولا سيما قبيل الإسلام. وقد كانت أحوالهم الاجتماعية مشابهة للأحوال الاجتماعية عند العرب، ولا سيما عرب بلاد الشأم والعراق، ووضع مثل هذا يؤدي بالطبع إلى الاقتباس والأخذ والعطاء. وأما الفارسية، فقد كان الفرس يحتلون بلاد العراق وكان لهم نفوذ على العربية الشرقية، وقد استولوا على اليمن قبيل الإسلام، ولهم تجارة مع أهل مكة وأماكن أخرى، وبحكم هذه الصلات دخلت في العربية ألفاظ فارسية وصارت في عداد المعربات.

<<  <  ج: ص:  >  >>