للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروة، أما المضمون فجاهلي، تطور وتزوق حسب الأفواه التي روته ودبجته، بحيث ظهر على الصورة التي وصلت إلينا.

وإذا كان الحال على هذا المنوال، فأين يا ترى نجد النثر؟ وجوابي أنك لا تجد النثر الصحيح المنثور بهذه العربية البينة الفصيحة إلا في القرآن الكريم.

فالقرآن الكريم، لكونه كتاب الله وقد دوّن ساعة نزوله، دوّنه كتبة عند نزول الوحي، وأخذه عنهم كتبة آخرون وحفظه الحفاظ، وقرأ الكثير منهم ما كتبه من آي أو ما حفظه منها ومن السور على الرسول، فأيد قراءتهم وثبت كتابتهم، فهو لهذا الكتاب الوحيد المنزل بلسان عربي مبين. لا شبهة في ذلك ولا شك. أرشدنا إلى أساليب الجاهليين في فنون القول، بمخاطبته لهم بلسانهم وبطرق بيانهم، وبأسلوب محاججتهم. وضرب لهم الأمثال بأمثالهم، كي تكون عبرة مقبولة عندهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، بلسان عربي مبين، يفهمه كل العرب، ففيه إذن نجد نثر العرب، وإن كان هو أبلغ النثر، وفيه نجد حياة الجاهليين وعقليتهم.

وقد وصف "الجاحظ" أسلوب القرآن بقوله: "خالف القرآن جميع الكلام الموزون والمنثور، وهو منثور غير مقفى على مخارج الأشعار والأسجاع، وكيف صار نظمه من أعظم البرهان، وتأليفه من أكبر الحجج"١.

ثم نجد هذا النثر في الحديث، في الحديث النبوي، وفي الحديث موضوع وضعيف، إلا أن فيه ما لا يشك في صحته. وفيه ما روي بالمعنى، لتجويزهم الرواية عن الرسول بالمعنى، خشية الخطأ في النص، والتقول عليه، ومن تقوَّل على رسول الله متعمدًا، تبوأ مقعده في النار. وقد روي الحديث رواية، أي: مشافهة، غير أن من العلماء من ذكر أن "عبد الله بن عمرو بن العاص"، كان قد كتب حديث الرسول، وذلك أنه استأذنه في أن يكتب حديثه فأذن له. وروي عنه أنه قال: حفظت عنه ألف مَثَل، وروي عن "أبي هريرة" قوله: "ما أجد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكثر حديثًا مني. إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب"٢. ولكننا لم نسمع بما حل


١ البيان والتبيين "٣٢"، "انتقاء الدكتور جميل جبر"، "بيروت ١٩٥٩م".
٢ الاستيعاب "٢/ ٣٣٩"، "حاشية على الإصابة"، الإصابة "٢/ ٣٤٣"، "رقم ٤٨٤٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>