للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخطب وهو على راحلته١. وذكر "الجاحظ" أن الشعوبية طعنت على "أخذ العرب في طبها المخصرة والقناة والقضيب، والاتكاء والاعتماد على القوس، والخدّ من الأرض، والإشارة بالقضيب". وذكر أن من المستحسن في الخطيب أن يكون جهوري الصوت، قليل التلفت، نظيف البزة، وأن يخطب قائمًا على نشر من الأرض، أو على راحلته، وأن يحتجز عمامته، ويكمل هذه الخصال شرف الأصل وصدق اللهجة٢.

وقد كان بين الخطباء من كان يقول الشعر بالإضافة إلى علو شأنه بالنثر. غير أن العادة، أن الشعراء لم يبلغوا في الخطابة مبلغ الخطباء، وأن الخطباء دون الشعراء في الشعر. "ومن يجمع الشعر والخطابة قليل"٣. ومن الشعراء الخطباء: "عمرو بن كلثوم" التغلبي، و"زهير بن جناب"، و"لبيد"٤، و"عامر ابن الظرب العدواني"٥.

وذكر "الجاحظ" أن العرب استعملت الموزون، والمقفى، والمنثور في مساجلة الخصوم، والرجز، في الأعمال التي تحتاج إلى تنشيط وبعث همة، وعند مجاثاة الخصم، وساعة المشاولة، وفي نفس المجادلة والمحاورة، واستعملت الأسجاع عند المنافرة والمفاخرة، واستعملت المنثور في الأغراض الأخرى٦،وقال أيضًا: "وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالًا، وتنثال عليه الألفاظ انثيالًا، ثم لا يقيده على نفسه، ولا يدرسه أحد من ولده. وكانوا أميين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلفون، وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر،


١ البيان "١/ ١١٨"، "٢/ ٢٠".
٢ البيان والتبيين "٢٢"، "بيروت١٩٥٩م"، "انتقاء الدكتور جميل جبر، المطبعة الكاثوليكية"، البيان والتبيين "٣/ ٦ وما بعدها".
٣ البيان والتبيين "١/ ٤٥".
٤ ومن شعر لبيد، قوله:
وأخلف قسا ليتني ولو أنني ... وأعيا على لقمان حكم التدبر
البيان والتبيين "١/ ١٨٩، ٣٦٥".
٥ البيان والتبيين "١/ ٣٦٥".
٦ البيان والتبيين "٣/ ٦ وما بعدها، ٢٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>