للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجيء الأقوام إليها من الهند وإيران والعراق، فظهرت فيها ثقافة، امتصت غذاءها من مختلف الثقافات.

وهناك من اشتهر بالخطابة وكان قريب عهد من الإسلام، أو أدركه وأسلم، منهم: "قس بن ساعدة الإيادي". وقد رآه الرسول، وسمعه يتكلم، وهو راكب على جمل أورق. ويذكر أن الرسول قال: "يرحم الله قسًّا، إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحده"١. وقد عدّه بعض الباحثين من النصارى، ولكن معظم أهل الأخبار يرى أنه كان على الحنيفية، أي: على التوحيد، لا هو من يهود، ولا هو من النصارى٢.

وقد ذكر أهل الأخبار أنه "كان من حكماء العرب وأعقل من سمع به منهم، وهو أول من كتب من فلان إلا فلان، وأول من أقر بالبعث من غير علم، وأول من قال: أما بعد، وأول من قال: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"٣. وأنه أول من خطب على شرف، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا٤. وكان أحكم حكماء العرب، وأبلغ وأعقل من سمع به من إياد. وبه ضرب المثل في الخطابة والبلاغة٥. روي أن الرسول سمع كلام "قس بن ساعدة" الإيادي ورواه، ذكر "الجاحظ" أن رسول الله "هو الذي روى كلام "قس بن ساعدة" وموقفه على جمله بعُكاظ وموعظته، وهو الذي رواه لقريش والعرب، وهو الذي عجب من حسنه وأظهر من تصويبه"٦.

وذكر في موضع آخر من كتابه "البيان والتبيين" أن الرسول قال: "رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول: أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعُوا. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت".


١ بلوغ الأرب "٣/ ١٥٥"، نزهة الجليس "١/ ٤٢٩".
٢ المصدر نفسه.
٣ مجمع الأمثال "١/ ١١٧"، جمهرة الأمثال "١/ ٢٤٩".
٤ الأغاني "١٤/ ٤٠ وما بعدها"، الخزانة "٢/ ٩٠"، "عبد السلام محمد هارون".
٥ ثمار القلوب "١٢١ وما بعدها، ١٢٧".
٦ البيان والتبيين "١/ ٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>