للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف العلماء في تفسير معنى جملة "يريد أن يعربه فيعجمه" الواردة في شعر ينسب لِرُؤْبَة ويقال للحُطَيئة، هو:

الشعر صعب وطويل سلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلت به إلى الحضيض قدمه

وقوله:

والشعر لا يسطيعه من يظلمه ... يريد أن يعربه فيعجمه

فذهب بعضهم إلى أن مراد الشاعر أنه يأتى به أعجميًّا، يعنى يلحن فيه، وقيل يريد أن يبينه فيجعله مشكلا لا بيان له، وقيل أزال عجمته بالنقط١.

والذي أراه أن قول العلماء: "العجم النقط بالسواد مثل التاء عليها نقطتان، يقال: أعجمت الحرف والتعجيم مثله"، وقولهم: "معجم الخط هو الذي أعجمه كاتبه بالنقط، تقول: أعجمت الكتاب أعجمه إعجامًا"٢، هو تعريف يجب أن يكون قد وضع بعد وضع الإعجام، أي التنقيط، فإذا كان الإعجام من وضع "أبي الأسود" الدؤلي، فيجب أن يكون ظهوره منذ أيامه فما بعد، أما إذا كان قبله فيجب أن يكون من مصطلحات الجاهليين.

ويذكر علماء اللغة أن "أعجم الكتاب خلاف أعربه، أي نقطه" فأزال الكاتب عجمة الكتاب بالنقط٣. ومعنى هذا أن النقط قد أزال الغشاوة عن الحروف المعجمة، أي المتشابهة في الشكل، بوضع النقط فوقها، فصارت حروفًا معربة واضحة. ولولا الإعجام لما استبان الكلام، ولوقع سوء الفهم واللبس في كثير من الألفاظ التى ترد فيها الحروف المعجمة، ففي الإعجام لبس ووقوع في خطأ، وفي اللحن مثل ذلك أيضًا، ولهذا أرى وجود صلة كبيرة بين اللحن، الذي هو الخطأ في الكلام، بسبب الجهل بالإعراب. وقد رأيت قول العلماء: "أعجم الكتاب خلاف أعربه"، أي وضحه وصححه بالنقط. فبين الاثنين ترابط في. الأصل، فالإعجام خلاف الإعراب، واللحن خلاف الإعراب كذلك.


١ تاج العروس "٨/ ٣٩٠"، "عجم".
٢ تاج العروس "٨/ ٣٩٠"، "عجم".
٣ تاج العروس "٨/ ٣٩٠"، "عجم".

<<  <  ج: ص:  >  >>