القواعد عدَّ لحانًا، مهما كان عصره أو جنسه، جاهليًّا كان أم مسلمًا، عربيًّا كان أم أعجميًّا، لأن اللحن لا يختص بعصر أو جنس.
إن ما دعوه باللحن، وما أخذوا الأعاجم عليه، من عدم تمكنهم من التعلق ببعض الحروف، أو من وقوعهم في أخطاء نحوية، نراه قد وقوع للعرب الفصحاء في الجاهلية وفي الإسلام، فما كان ينطقه بعض العرب من إشمام الصاد صوت الزاي، أو من النطق بالجيم "كافًا" على اللهجة المصرية، يعد لحنًا، إن صدر من أعجمي، أما إن صدر من عربي، فلا يقال لذلك لحنًا، بل يقال إنه لغة من لغات العرب. وإذا تصورنا أن عربية الجاهليين، كانت عربية عالية واحدة، على نحو مايراه أهل الأخبار وعلماء اللغة، وجب اعتبار هذه اللغات لغات عامية، المتكلم بها خارج على قواعد اللغة، فهو ممن يلحن ويخطئ سواء كان عربيًّا، أم أعجميًّا، جاهليًّا أم إسلاميًّا، فنحن نتكلم هنا عن أسلوب كلام، لا عن رس وأصل.
أننا حين نقول أن اللحن لم يكن معروفًا بين أهل الجاهلية، نكون قد حصناهم بالعصمة: بعصمة اللسان، ونكون قد جعلناهم بذلك شعبًا مختارًا، فضل بعصمة لسانه على ألسنة سائر البشر، ولكن العلم لا يعرف عصمة ولا حصانة في لسان، وهو يرى أن اللحن لا بد وأن يقع عند أي شعب، أو قوم، أو قبيلة، حتى أن كانت القبيلة في سرة البادية، وفي معزل ناء، لأن الطبيعة توجد من اختلاف قابليات أفراد القبيلة ومن اختلاف مستوى عقلياتهم وثقافاتهم وتباعد سكنهم بعضهم عن بعض، خروجًا على اللسان، فيظهر اللحن الشاذ، ويبرز النشاز في اللغة، مهما كان موطن هذه القبائل، في جزيرة العرب أو في أي موضع آخر من العالم، فاللحن، أي التبلبل في الألسنة من الأمور الطبيعية، التي توجدها طبيعة البشر وطبيعة الأقاليم، وأمور أخرى بحث فيها علماء اللغة والاجتماع، ولا يمكن أن يكون العرب بمنجاة منها!
لقد تحير "السيوطي" وغيره في تفسير خبر ورد عن "سيعد بن جبير" من أنه "كان يقرأ: والمقيمين الصلاة، ويقول: هو لحن من الكتاب". فقل: "وهذه الآثار مشكلة جدًا، وكيف يظن بالصحابة أولاً أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن، وهم الفصحاء واللد! ثم كيف يظن بهم ثانيًا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنزل، وحفظوه، وضبطوه، وأتقنوه