للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، وذلك لأن الحديث لم ينقل كما سمع من النبي وإنما روي بالمعنى، ولهذا فإن أئمة النحو المتقدمين من المصرين: البصرة والكوفة لم يحتجوا بشيء منه، وقد جوز بعض العلماء الاستشهاد به على تقدير التسليم بأن النقل كان بالمعنى، إنما كان في الصدر الأول، وقبل تدوينه في الكتب وقبل فساد اللغة، وغايته تبديل لفظ بلفظ، ولهذا يجوز الاحتجاج به، لأن السلائق العربية لم تكن قد فسدت بعد. وموضوع الخلاف، هو أن النقل لم يكن بالحرف، وإنما بالمعنى، ولو كان بالأول لما وقع الخلاف في وجوب الاستشهاد به، ولجرى ذلك مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية بموجبه. قال "سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت، فلا تصدقوني، إنما هو المعنى. ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين إنهم يروون بالمعنى"١. وقد وقع اللحن كثيرًا فيما روي من الحديث لأن كثيرًا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ويتعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون، ودخل في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب، فدخل من ثم هذا اللحن في الحديث، ولهذا امتنع علماء المصرين من الاستشهاد بالحديث في النحو. وقد جوز بعض المتأخرين الاستشهاد بالأحاديث والأمثال النبوية الفصيحة، ولم يجوزوا الاستشهاد في غير ذلك٢ للسبب المذكور.

هذا وقد ألف العلماء كتبًا عديدة في إعراب القرآن وفي معانيه وغريبه، وصل بعض منها إلينا. وقد أشار "ابن النديم" إلى أسماء عدد من تلك المؤلفات٣. وهي مرجع هام بالنسبة لعلماء العربية، لورود آراء لغوية ونحوية قيمة فيها، تفيد في شرح النحو العربي.


١ الخزانة "١/ ٥ وما بعدها".
٢ الخزانة "١/ ٦ وما بعدها".
٣ الفهرست "٦٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>