للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منافس له، ويتهجم هو وتلامذته عليه، وهذا نحوي يعيب نحو الآخرين، وقد دفعت هذه العصبية، بعض العلماء إلى الابتعاد عن العلم، باللجوء إلى الوضع والافتعال والاتهام، لإقحام الخصوم، حتى جاء بعضهم بشواهد نحوية وصرفية مفتعلة، وبشهود من الأعراب، تكلموا باطلا لتأييد عالم على عالم، وفي المسألة الزنبورية التي وقعت بين سيبويه والكسائي، وفي مجالس الجدل التي تجادل فيها العلماء في محضر الخلفاء في قضايا النحو واللغة والشعر أمثلة عديدة على ما أقول١.

وعندي أن ما نسب إلى بعض الشعراء الجاهليين من وقوعهم في أغلاط نحوية أو لغوية أو شعرية، لم يكن خطأ بالنسبة لهم، وإنما بان الخطأ عند علماء العربية، حين قاسوا الشعر بمقياس واحد، هو العربية التي جمعوا قواعدها ودونوها في الإسلام، والعروض الذي ضبطه "الخليل" ومن جاء بعده، ولو كانوا قد درسوا لهجات القبائل، وعلموا أن الشعراء، كلهم أو بعضهم كان ينظم شعره بلسانه، وأن الشعر الجاهلي، جاء بألسنة متعددة، لعلموا إذن سر وقوع هذا الاختلاف في الشعر، ولأراحوا أنفسهم من دراسة كثير من هذا الغريب والشاذ الذي أدخلوه كتب النحو واللغة، بعد صقل الشعر وتهذيبه. وقد فطن إلى ذلك "المعري"، فاعتذر عما نسب إلى "امرئ القيس" من خروج عن القواعد بسوء الرواية وبالتصحيف٢، وبأنهم في الجاهلية كانوا لا يعدون ذلك خروجًا على قاعدة، وإنا كان ذلك شيئًا مألوفًا عندهم، فملا جاء "المعلمون في الإسلام" "غيروه على حسب ما يريدون"٣، وجعله يقول عن "الأقوياء": "لا نكرة عندنا في الإقواء٤ واعتذر عما نسب إلى غيره من الشعراء من عيوب أحصاها علماء الإسلام عليهم، بأن قال إن هذه لم تكن من العيوب في أيامهم، وإنما هي صارت عيوبًا في الإسلام.

لقد اعتمد علماء العربية على الشعر الجاهلي وعلى لغات العرب التي وثقوا منها في جمع قواعد العربية وتثبيتها، كما استشهدوا بالقرآن، الذي نزل بلسان عربي مبين، والذي ثبت العربية. أما"الحديث"، فقد اختلفوا في جواز الاستشهاد


١ راجع مجالس العلماء.
٢ رسالة الغفران "٣١٣ وما بعدها".
٣ رسالة "٣١٧ وما بعدها".
٤ رسالة "٢٢٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>