للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل يعد هذا الاختلاف دلالة على عدم وجود اللحن عند أهل الجاهلية، أم يعد دليلاً على وجوده عندهم؟

لقد أدى اقتصار العلماء في أخذهم العربية عن القبائل التي ذكروها وفي تمسكهم برأيهم في أن تلك القبائل، هي صاحبة اللغة الفصيحة، إلى نبذ اللهجات العربية الأخرى، لاعتبارهم أياها لهجات مستقبحة، ولغات حشوية، فخسرت العربية بذلك خسارة كبرى، وظهر بسبب ذلك التنابذ في مذاهب علماء العربية، بسبب اعتمادهم على لغات معينة محدودة، وليس على كل اللغات العربية القريبة من لغة القرآن، ليتمكنوا بذلك من استقرائها كلها واستنباط القواعد الكلية منها.

ومن جملة الأمور التي يجب أن نشير إليها وننتبه إليها، هو أن علماء العربية حين كانوا يشيرون إلى لهجة من اللهجات، مثل لهجة أهل الحجاز، أو لهجة هذيل، أو تميم، وأمثالها، كانوا يشيرون إليها بالتعميم، مثل: جاء هذا على لغة أهل العالية، أو على لغة أهل الحجاز، أو على لغة تميم، مع أن حكمهم هذا لم يؤخذ من دراسة لغة القبيلة المشار إليها، وإنما أخذ من لسان أعرابي أو أكثر، بينما الحكم على منطق إنسان واحد أو اثنين أو ثلاثة، لا يمكن أن يتخذ حجة للحكم على منطق قبيلة بأكملها، أضف إلى ذلك أن القبائل الكبيرة، كانت موزعة منتشرة، والحجاز، وحده ذو قبائل كثيرة، متعارضة اللغات، فكيف يقال: جاء هذا على لغة أهل الحجاز، وكان أسد وتميم متجزئة منتشرة في مناطق واسعة، وهذا مما جعل لهجاتها تتأثر بالإقليمية وبالجوار، فلم يكن لها لسان واحد، غير أن علماء العربية لم يفطنوا إلى هذه الأمور، فوقعوا من ثم في أخطاء، فأخذوا من بعض تميم، ونسبوا ما أخذوه على كل تميم مثلا.

ثم إنهم لم يستخلصوا النحو من القرآن رأسًا، وقد كان عليهم الاعتماد عليه أو لأنهم إنما اتخذوا النحو لصيانة اللسان من الخطأ في القرآن وفي لغة التنزيل، وإنما مالوا عنه إلى الشعر، وإلى كلام أعراب من قبائل معينة وثقوا بصحة كلامهم وزاد ابتعادهم عن الأسلوب العلمي، بأخذهم بالعصبية العلمية، فهرت الآراء المتعصبة للمدن وللعلماء، فهذا رجل محب للبصرة، مفرط في حبها، لا يقدم على علمائها عالم، وهذا كوفي متعصب لنحو الكوفة، لا يقدم على أهل الكوفة أحدًا. ثم زاد هذا التعصب للعلماء، فهذا تلميذ عالم يُتعصب له، ويُأخذ برأيه كأنه رأي نزل من السماء، وهذا عالم كبير يعيب علم عالم

<<  <  ج: ص:  >  >>