للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعر، فإنه ديوان العرب"١. وقيل إنه -أي ابن عباس- ما فسَّر آية من كتاب الله، إلا نزع فيها بيتًا من الشعر. وروي أن غيره كان يحفظ شيئًا وافرًا من الشعر، الشعر المروي عن أناس عاشوا قبل الإسلام وأناس أدركوا الإسلام، وأنهم كانوا يتداولونه ويتطارحونه ويحفظونه لصلته بكل فرد منهم. ففيه أخبار القبائل وأيام العرب وما قيل فيهم من مدح أو ذم، والحق أننا بفضل هذا الشعر حصلنا على كثير من هذا القصص المنسوب إلى أهل الجاهلية، وبفضله عرفنا الشعراء والقبائل والأيام والحروب، فهو كما قلت في الجزء الأول من هذا الكتاب مورد مهم رئيسي يرد منه المؤرخ في تدوينه تأريخ العرب قبل الإسلام.

ونحن لا نكاد نقرأ قصة من قصص "أيام العرب"، إلا ونجد فيها شعرًا، ينسب إلى بطل من الأبطال الذين ساهموا فيها، أو من شاعر يذكر قومه أو خصوم قومه أو خصومه بالأيام التي انتصروا فيها على خصومهم. وقد ساعد هذا الشعر على تثبيت تلك الأيام في ذاكرة رواتها، حتى وصلت إلى أيام التدوين فدونت، على نحو ما نقرأها في هذا اليوم.

ثم إن كتب الأدب بأنواعها مملوءة بأخبار المساجلات والمطارحات التي وقعت بين الشعراء قبيل الإسلام وفي أيام الرسول والخلفاء. وقد رويت فيها أشعار وقصائد لشعراء جاهليين، ولشعراء مخضرمين. وقد تحدث معظم المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام عن ذكرياتهم في الجاهلية، ورووا ما نظموه فيها من أشعار وما وعوه من المناسبات التي نظموا فيها. ثم إن هذه الكتب مملوءة أيضًا بأخبار مجالس سمر تناولت الحوادث والأيام والشعر والشعراء، وفيها نقد ومفاضلات لما ذكر في تلك المجالس من شعر، وقد روي: أن الرسول كان يجالس أصحابه ويتحدث معهم ويصغي إليهم، ويستمع إلى ما يرْوُونه وما يتذاكرونه من الشعر٢. وروي أن الْحُطَيئةَ، وهو شاعر معروف، كان يتذاكر الشعراء ويحفظ أشعارهم٣.

وقيل للحسن البصري: "أكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-


١ المزهر "٢/ ٤٧٠"، الأخبار الطوال "٣٣٢"، طبقات الشعراء، للجُمَحِي "ص١٠"، بلوغ الأرب "٣/ ٨٣". جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "١/ ٣٦"، العمدة "٣٠"، التبريزي، شرح الحماسة "١ وما بعدها".
٢ الأغاني "١٥/ ٥٥".
٣ الأغاني "١٥/ ٩٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>