للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمزحون؟ قال: نعم ويتقارضون، أي يقولون القَرِيضَ وينشدونه. والقريض الشعر"١. وروي أن أصحاب رسول الله، كانوا يتناشدون الأشعار ويذكرون أمر جاهليتهم، وأن رسول الله كان يجالسهم في المسجد، وهم يتناشدون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسَّم٢. وعن أبي سلمة: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- متحزقين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حمَاليق عينيه كأنه مجنون"٣.

وقد ذكر أن من الأعاجم من تعلم الشعر العربي ورواه وعشقه، فزعم ابن الكلبي مثلا أن "خرحسرة"، وهو ابن المروزان، كان قد تعرب، أعجبته العربية فتعلمها وروى الشعر، وكان واليًا على اليمن في عهد كسرى، ثم بلغ كسرى تعربه، وروايته الشعر، وتأدبه بأدب العرب، فعزله، وولَّى باذان٤.

وللشعر أثر خطير في نفوس العرب كان يهز عواطفهم هزًّا، ويفعل فيهم فعل السحر، فلا عجب إذا ما قرن "رؤبة" الشعر بالسحر، وجعله مثله في التاثير لتلك العلة:

لقد خشيت أن تكون ساحرا ... راوية مرا ومرا شاعرا ٥

قال الجاحظ: "وكان الشاعر أرفع قدرًا من الخطيب، وهم إليه أحوج لرده مآثرهم عليهم وتذكيرهم بأيامهم، فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب أعظم قدرًا من الشاعر٦.

وقد بقي أثر هذا في نفوس الناس حتى بعد زوال الجاهلية ودخول الناس في الإسلام. فكان مدح الشاعر لقوم، من المآثر والمفاخر، وكان ذمه


١ اللسان "٧/ ٢١٩"، الفائق "٢/ ٣٣٩".
٢ ابن سعد، الطبقات "١/ ٢ ص٩٥ وما بعدها".
٣ الفائق "١/ ٢٥٧".
٤ الطبري "٢/ ٢١٥"، "دار المعارف".
٥ العمدة "١/ ٢٧".
٦ البيان والتبيين "٤/ ٨٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>