للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا قال البعض أن الشعراء في الجاهلية كانوا أهل المعرفة، يعنون أنهم كانوا من أثقف أهل زمانهم، وأنهم كانوا على مستوى في الفكر والرأي وفي فهم الأمور١.

وجعلوا للشعراء مزايا، ومنحهم العلماء امتيازات خاصة، وقالوا عنهم: "الشعراء أمراء الكلام، يقصرون الممدد، ويمدون المقصور، ويقدمون ويؤخرون، ويؤشرون ويشيرون، ويختلسون ويعيرون ويستعيرون. فأما لحن في إعراب، أو إزالة كلمة عن نهج صواب، فليس لهم ذلك"٢.

وفي كتب أهل الأخبار تدل على اعتداد الشعراء بأنفسهم من ناحية الرقي العقلي، وعلى تقدير الناس لمدارك الشعراء. جاء أن "الطفيل الدوسي قدم مكة ورسول الله بها، فحذره رجال من قريش من سماع النبي حتى لا يتأثر بقوله: قال الطفيل: فما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئًا، ثم قلت في نفسي: وا ثكل أمي! والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحا تركته"٣، وجاء في خبر آخر، "أن الطفيل لما قدم مكة، ذكر له ناس من قريش أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوه أن يختبر حاله فأتاه فأنشده شعره، فتلا النبي الإخلاص والمعوذتين فأسلم"٤. وفي هذا الخبر أن صح دلالة على تقدير الناس لفطنة الشاعر ولسمو مداركه. وقد رأينا ما كتبه "هوذة بن علي" الحنفي، للرسول من أنه شاعر قومه وسيدهم، ونجد في خبر "جلاس بن سويد" الصامت الأنصاري، أن قومه أتوا عليه "فقالوا: إنك امرؤ شاعر ... "٥، وفي هذه الأخبار وغيرها دلالة على أن الشعراء كانوا يرون أنفسهم فوق الناس في اللفظة والفهم، وأن الناس كانوا يرون هذا الرأي فيهم، لما يجدونه فيهم من فطنة وذكاء.


١ فجر الإسلام "٥٥ وما بعدها".
٢ المزهر "٢/ ٤٧١".
٣ ابن هشام، سيرة "١/ ٢٣٥"، فجر الإسلام "٥٦".
٤ الإصابة "٢/ ٢١٧"، "رقم٤٢٥٤"، الاستيعاب "٢/ ٢٢٣"، "حاشية على الإصابة".
٥ الإصابة "١/ ٢٤٣"، "رقم١١٧٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>