للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لم يصف أحد قط الخيل إلى احتاج إلى أبي داود، ولا وصف الْحُمُر إلا احتاج إلى أوس بن حجر، ولا وصف أحد النعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة، ولا اعتذر أحد في شعره إلا احتاج إلى النابغة الذبياني١.

وقد قال من قدَّم "امرأ القيس" على غيره من الشعراء، أنه "سبق العرب إلى أشياء ابتدعها استحسنتها العرب واتبعته فيها الشعراء، منه استيقاف صحبه والبكاء في الديار، ورقة النَّسيب، وقرب المأخذ، وشبَّه النساء بالظباء والبيض والخيل والعقبان والعصي، وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب وبين المعنى، وكان أحسن طبقته تشبيها"٢، فهذه هي المزايا التي ميزت شعره عن شعر غيره من الجاهليين.

وقال علماء الشعر الذي قدَّموا النابغة على غيره، أنه كان أحسنهم ديباجة شعر، وأكثره رونق كلام، وأجزلهم بيتًا، كأن شعره كلام ليس فيه تكلُّف٣. وأما الذين قدَّموا "زهيرًا" على غيره، فقالوا: "كان زهير أحكمهم شعرًا وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق، وأشدهم مبالغة في المدح"٤.

وقلما نجد الشاعر يعنى بوصف الطبيعة أو مظاهرها بشعر خاص، كأن يصف المطر وحده، أو الشمس والكواكب والأجرام السماوية، أو الجبال أو السهول أو الحيوانات أو النبات، وصفًا خاصًّا لا يهرب منه إلى أمور أخرى لا صلة لها بهذا الوصف، ثم إنه قلما يتعمق في الوصف، فيصف الأجزاء والفروع وكل ما في الموصوف من مميزات، وهو إذا وصف الطبيعة، أو تعرض لوصف مشهد بارز بحيث يكون شعره وصفيًّا خاصًّا بالطبيعة، وإنما يقحم الوصف في القصيدة جريًا على العرف الشعري الذي سار عليه الشعراء، وليس عن عمد وتقصد لوصف ما يراد وصفه بالذات. ثم هو لا يصف من الشيء الموصوف ككل، وإنما يصف منه ما يلفت نظره، وما يؤثر على حسه وبصره. فهو إذا وقف


الأغاني "١٥/ ٩٣".
٢ ابن سلام، طبقات "١٦ وما بعدها".
٣ ابن سلام، طبقات "١٧".
٤ ابن سلام، طبقات "١٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>