للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الكهناء، يقولون في الجاهلية: إن الشياطين كانت تأتيهم١، فهم مثل الشعراء يعتقدون بأن وحيًا يوحي إليهم بما يقولونه للناس، يتجلى لهم على صورة "رئي"، الرئي يقول سجعًا، والشيطان ينظم شعرًا.

وقد بلغ من اعتقاد بعضهم بوجود شياطين الشاعر أن رووا قصصًا تذكر كيف أن شياطين الشعر كانوا يعلمون الشعراء قول الشعر حين ينحبس الشعر عنهم وحين تقف قريحتهم حتى ليصعب على الشاعر أن ينظم بيتًا واحدًا، حتى إذا حار في أمره، استجار بشيطانه وتوسل إليه لإنقاذه من محنته، فيرِقَّ شيطانه عليه، ويلقي عليه الشعر إلقاء فيأتي على لسان الشاعر وكأنه سيل متدفق. ولاعتقاد الشعراء هذا بوجود قرين لهم من الشياطين، أو من الجن، سموا شياطينهم بأسماء، فكان اسم شيطان الأعشى "مسحلا"، وقيل هو تابعه وجنِّه الذي كان يوحي إليه بالشعر. كما أشار هو إليه في شعره:

دعوت خليلي مسحلا، ودعوا له ... جهنام، جدعًا للهجين المذمم٢

وللأعشى أشعار أخرى ذكر فيها فضل شيطانه عليه في قول الشعر. من ذلك قوله:

وما كنت ذا قول ولكن حسبتني ... إذ مسحل يبري لي القول أنطق

خليلان فيما بيننا من مودة ... شريكان جني وإنس موفق٣

وجنّه هو الذي حباه بموهبة الشعر، وبفيض الخواطر، ينظمه كلامًا محبوكًا، فهو يشكره ويفديه بنفسه:

حباني أخي الجني نفسي فداؤه ... بأفيح جياش العشيات مرجم٤.

واسم هاجس الأعشى وشيطانه "مسحل بن أوثاثة"، وكان هو الذي يلقي الشعر على لسان الأعشى. وقد رآه الأعشى ودخل خباءه وهو من شَعْر،


١ مجالس ثعلب "٢٠".
٢ اللسان "١١/ ٣٣١"، ثمار القلوب "٧٠"، "جهغام جدعا" الحيوان "٦/ ٢٢٦".
٣ ثمار القلوب "٧٠".
٤ ثمار القلوب "٧٠"، الحيوان "٦/ ٢٢٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>