للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفي ذلك عنه. وحدد العلماء صفة الشاعر بأنه الذي يحترف الشعر ويقوله قصدًا، حتى لا تنطبق هذه الصفة على من يقول سطرًا بوزن اتفاقًا من غير قصد١.

وقد عرفه بعضهم بقوله: "الشعر كلام موزون مقفى، دالٌّ على معنى، ويكون أكثر من بيت"٢. وهو تعريف وضعه علماء الشعر في الإسلام، وهو لا ينطبق بالطبع على وصف الشعر عند الأعاجم من الآريين والساميين، لأن للشعر عند هذه الأمم مفاهيم آخرى، تختلف باختلاف وجهة نظرها إلى الشعر. فقد يكون الشعر سجعًا عند الأمم الأخرى، وتعد الأمثال عند بعض الشعوب في جملة أبواب الشعر٣، كما أنه لا يمكن أن ينطبق على الشعر الجاهلي القديم، إذ ليس في استطاعة أحد حق التحدث عن الشعر الجاهلي المتقدم على شعر أقدم من وصل اسمه إلينا من الشعراء الجاهليين، لعدم وجود نصوص مدونة أو مروية عن ذلك الشعر، وما دمنا لا نملك نصوصًا منه، فلا حق لنا إذن في التحدث عنه.

وعندي أن الشعر الجاهلي المروي والمدون في المؤلفات الإسلامية ببحوره المعروفة إنما يمثل المرحلة الأخيرة من مراحل تطور هذا الشعر، أي مرحلة الكلام الموزون المقفى الدال على معنى، ولكننا لا نستطيع كما قلت سابقًا الزعم بأن الشعر الجاهلي الأقدم كان على نفس هذه البحور، أي أنه كان متمسكًا بالوزن والقافية إذ من الجائز أن يكون قد كان على شاكلة الشعر القديم الذي نظمه الشعراء الساميون، من عدم تقيد بالقافية وبوزن الأبيات، كما نجد ذلك في العبرانية وفي اللغات السامية الأخرى وإنما كانوا يراعون فيه النغم، بحيث يتغنى به، أو التأثير في العواطف، بمراعاة نسق الكلام المبني على البلاغة. ولهذا عد السجع نوعًا من أنواع الشعر، لأن في السجع من الوصف والعاطفة والحس ومعالجة الموضوع، ما يجعله شعرًا، وفي بعضه نغم يجعله صالحًا لأن يتغنى به، وبين الغناء والشعر صلة ونسب. وقد جعل بعض العلماء الشعر وليدًا من أولاد الغناء، لأن الشعوب القديمة كالبابليين، والمصريين، واليونيين والعبرانيين، كانت تقرن شعرها بالموسيقى، وعرف هذا الشعر بالإنشاد، وقد كان الإنشاد في المعابد، نوعًا من


١ الصاحبي "٢٧٣".
٢ المزهر "٢/ ٤٦٩"، "النوع التاسع والأربعون، معرفة الشعر والشعراء".
٣ The Bible Dictionary, II, p. ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>