للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التراتيل الموجهة الآلهة، كما كان يستخدم في الحروب. ولهذا رأى العلماء أن الموسيقى، أولدت الإنشاد، والإنشاد هو والد الشعر.

والشعر معروف عند كل شعوب العالم، معروف موجود حتى عند الشعوب البدائية، لأنه نوع من أنواع التعبير عن الحس. والإنسان مهما كانت ثقافته ومنزلته لابد له من التعبير عن إحساساته بمختلف الصور، وبشتى الوسائل، من كلام أو تدوين أو نقش أو صراخ أو غناء أو رمز، إلى غير ذلك من الأنواع وفي جملتها الشعر. فهو لا يخص إذن شعبًا معينًا، ولا جنسًا خاصًّا، وإنما هو تعبير إنساني، يؤديه كل إنسان، متى كانت عنده المواهب ووجد عنده الحس المرهف الذي يدفعه إلى تأليف الشعر دفعًا، يؤديه على نحو ما يتأثر به إحساسه وذوقه، في أسلوب يختلف عن الكلام المعتاد المألوف، ولكنه ليس على نمط واحد عند جميع البشر، فقد يكون الشعر شعرًا عند أمة، وهو ليس شعرًا عند أمم أخرى، والمصطلح العربي الذي ذكرته للشعر، يختلف عن المصطلح المفهوم للشعر عند اليونان مثلا أو عند الرمان أو عند البابليين، كما أن أبوابه وأنواعه قد تختلف بين أمة وأخرى.

فقد كان العبرانيون يحبون الشعر، حب العرب له، ويقولون له: "هـ - ش"، أي الشعر وكانوا ينظمون أشعارًا رتلوها في مختلف المناسبات، في الأفراح وفي الأتراح في المدح وفي الهجاء، وفي الغزل وفي الوصف، وفي تمجيد الرب، وكانوا يستعينون بالشعر في القتال، ينشدونه في قتالهم ويجعلونه عونًا لهم في شحذ الهمم وفي تقوية العزائم للنصر، كما نرى ذلك في أسفار التوراة١. ونجد ثلث التوراة شعرًا، لا سيما في أسفار أيوب والمزامير والأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد. وفي مواضع من "التكوين" وكتب الأنبياء. ولكن شعرهم ليس وزنًا وقافية، على نمط الشعر العربي، بل هو شعر من طراز آخر. هو شعر بالنسبة للعبرانيين، وهو ليس بشعر بالنسبة لمصطلحنا المحدد للشعر.

وقد بدأ الشعر بداية متحررة، فلم يكن الإنسان في بادئ أمره بالشعر يتقيد بالوزن والقافية، وإنما كان يميز بينه وبين النثر بالنغم الذي يجعله فيه، وبالنبرات


١ الخروج، الإصحاح ١٥، والقضاة، الإصحاح الخامس وفي المزامير.

<<  <  ج: ص:  >  >>